الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

تلخيص كتاب الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي 1


تلخيص كتاب الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي - الجزء الأول
نتيجة بحث الصور عن ريتشارد رورتي
كتاب [الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي ]
تأليف محمد جديدي



الباب الأول
البراغماتية الجديدة وتكوّن المشروع
الفلسفي لــ رورتي


الفصل الأول : الفلسفة البراغماتية الجديدة

أولاً : الفلسفة في أمريكا

يمكننا أن نستشف بعضا من تفاؤل رورتي بخصوص الفلسفة في أمريكا في موقف جورج سانتيانا الذي قدم صورة للفلسفة في أمريكا من خلال تقسيمه لها إلى مرحلتين بخصوص الفلسفة الأمريكية : -

أ. ما بين الحربين العالميتين وقد تميزت بظهور القيادات الملهمه والأخلاقية وهي الفترة البطولية التي إنطلقت فيها النظرية البراغماتية على يد الفيلسوف " ديوي " .
ب. تتناول المدة التالية للحرب العالمية الثانية والتي تميزت بالإحتراف المهني بينما تخلى الفلاسفة عن هذا الدور من تلقاء أنفسهم وبإختيارهم .

** في الفترة الأولى إتسمت الفلسفة من خلال إرتباطها بالجماهير بمشاكل الناس الإجتماعية والأخلاقية ولعب فيها الفلاسفة دوراً أساسياً في حياة البلاد بينما إنكمش هذا الدور في المرحلة الثانية وغدت الفلسفة إحترافية .

هل هناك فلسفة أمريكية ؟!

1. الرأي الأول يذهب إلى أن الفلسفة الأمريكية لها جذور مما يوحي بأصالتها من القرن 17 إلى القرن 19 ويستشهد أصحاب هذا الرأي بــ جوناثان إدواردز بإعتباره أول فيلسوف أمريكي كبير .
2. الرأي الثاني ينكر قليلاً أو كثيراً أصالة الفلسفة الأمريكية إلا إذا إستثنينا الفلسفة البراغماتية - بل يُرى فيها فلسفة مقتبسة من أساسها ومتأخرة عن عصرها منهجياً .

** يقول رورتي عن البراغماتية " هي النظرية التي تحاول عملاً أن تعزز من حرية الإنسان في عالم مأساوي غير مأمون عن طريق الفنون العقلية والأجتماعية وقد تكون المحاولة قضية خاسرة ولكن لا أعرف أفضل منها ... "

ثانيا : فلسفة العالم الجديد

1- بين المحلي والوافد :

بقد كان للهجرة دوراً حاسماً في نشأة الولايات المتحدة الأمريكية دولة قوية حرة ومتقدمة , ذلك أن الذين هاجروا إليها كانوا على وعي مما ينتظرهم إن لم يدافعوا عن حريتهم بوجه خاص . إذاً هذه الهدرات المتواصلة منذ القرن 15 إلى اليوم هي ما شكل فسيفساء المجتمع الأمريكي المختلفة أعراقه وأديانه ولغاته وثقافاته لكن كل هذا لم يمنع من التمتع بوحدة سياسية تحت راية نظام جمهوري ديمقراطي فيدرالي سياسياً , ومن إنتهاج رأسمالياً في الإقتصاد من مبادئه حرية المبادرة وتشجيع الملكية الخاصة وتنظيم السوق ليبراليا .

** الأسباب التي حفزت المهاجرين للقدوم إلى أمريكا وترك أراضيهم :-
1. الفرار من الإضطهاد الديني التي مارسته سلطة الكنيسة يتضيقها على حرية المعتقد الديني , الفكري والعملي .
2. الفرار من الإضطهاد السياسي الذي فرضته الملكيات والارستقراطيات على السكان بفعل النظام الإقطاعي المنتهج إقتصادياً وإجتماعياً .
3. الفرار من الفقر والظلم الأجتماعي من خلال الطموح الذي دفعهم إلى البحث عن الثروة والحرية والسعادة .

** توجت ثورة الأمريكين ضد المستعمر البريطاني بالتأكيد على ثلاث أمور هامة على مستقبل الدولة الناشئة وهي :-
1. على المستوى السياسي تم تحرير وثيقة الإستقلال ووضع الدستور الذي ينظم الحياة السياسية .
2. على المستوى الديني صدر قانون فرجينيا للحرية الدينية ونص على عدم سن قانون بشأن إعتناق ديانة ما أو منع إعتناقها .
3. على المستوى الإجتماعي أنشأت جامعة فرجينيا 1796 مما مهد لنشر التعليم بهدف تثقيف وتنوير الشعب وهو الرهان الذي أثمر لاحقاً .

إن هذه الظروف والعوامل تفاعلت مع جهود وطموحات الرواد الآوائل فأثمرت في نهاية المطاف دولة قوية على جميع الأصعده بدءاً من التصنيع العسكري للأسلحة المتطورة والمتفوقة تكنولوجيا وغزو الفضاء وحرب النجوم إلى صناعة برمجيات الكمبيوتر والكتب والأفلام ونشر ثقافة "الأمركة عبر العالم" .

2- لا ثقافة دون فلسفة

إن الفلسفة الأمريكية كغيرها من الفلسفات مرت بمراحل بدأت في نشأتها بالتلقي والإستقبال وإنتقلت إلى المضمون الذي يعطيها إستقلالاً كلياً أو جزئياً ثم إنتقلت إلى مرحلة التطور التي تجلت فيها بصمات ومعالم شخصيتها . علاوة على ذلك فأمريكا الامبراطورية العظمى شأنها شأن كل الامبراطوريات عبر التاريخ ترى أن إكتمال قوتها قوتها وعظمتها لن يكتمل إلا بما تحققه من إنجازات في الفلسفة .

** الحقيقة , أن حظ الأمريكيين من الجانب النظري ضعيف وهم إلى جانب العمل أميل على حد قول هربرت شنيدر في كتابه تاريخ الفلسفة الأمريكية ولعل هذا ما يفسر ظهور البراغماتية في البيئة الأمريكية دون غيرها من البيئات .

ثالثاً : الفلسفة البراغماتية

1. الفلسفة الكلاسيكية

غالبا ما توصف البراغماتية بأنها الفلسفة الأمريكية بإمتياز من حيث أنها نشأت وتطورت في أمريكا فالظروف والعوامل التي إجتمعت وتضافرت لتجعل بروز الراغماتية أمريكية المولد . ويقول رورتي معلقاً على موقف ديوي " أعتقد بأن أقصى ما يمكن أن نفعله بربط البراغماتية بأمريكا هب القول بأن هذا البلد وفلاسفته الأكير تميزاً يقترحون علينا بأننا قادرين في السياسة أن نضع الأمل بدل المعرفة وهو الأمر الذي سعى الفلاسفة إلى بلوغه " .

يدعونا رورتي إلى ضرورة التمييز بين البراغماتيين بين تيار كلاسيكي مثل بيرس , جيمس وديوي , ومن بين تيار جديد أبرز شخصياته كواين , غودمان إضافة إلى رورتي نفسه , أن التميز الذي يدعونا إليه رورتي معياره هو المنعطف اللغوي الذي إتجه إليه الفلاسفة في الوقت الذي هجروا فيه موضوع الخبرة وتبنوا اللغة موضوعاً أساسياً .

2- البراغماتية الجديدة

هي التسمية التي تطلق على تيار فلسفي برز في الظهور مع بداية الستينيات في الولايات المتحدة الأمريكية . لكن موقف الفلاسفة المعاصرون أو علة الأقل بعضاً منهم يعتبر أن البراغماتية حركة فكرية متقادمة ويتحاشون إعتبارها فلسفة أو أنها ليست من الفلسفة الحقيقة وهي في ظنهم بحسب رورتي حركة عرفت نهايتها في بداية القرن العشرين في ظل أجواء محلية ويتوجب من الآن وصاعداً النظر إليها على أنها متهافته ومنتهية , لكن الواقع أنها أعيدت إلى الحياة من جديد من نفس الجذور ولكن بكساء مغاير في ظرف مائة سنة على أول ظهور لها مع تشارلز بيرس , أن البراغماتية هي الفلسفة التي وجد فيها رورتي الصورة الحقيقة للثقافة الأمريكية . إن البراغماتية في صيغتها الجديدة لم تكن بنفس مواصفات البراغماتية الكلاسيكية وهي تختلف عنها أو على الأصح تتميز عنها بإدخال بعض التعديلات المنهجية والفكرية التي برزت ما بين فترة البراغماتية في نهاية القرن الـ 19 مع بيرس وهي ما يمكن أن نسميه البراغماتية الأولى أو الكلاسيكية أما فترة إحياء البراغماتية بدأت من نهاية سبعينيات القرن العشرين وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بالبراغماتية الثانية أو الجديدة .

رابعاً : المشروع الفلسفي لــ رورتي :

بدأ يلوح في أفق الفلسفة المعاصرة مشروع وقعه رورتي حينما أتم الفيلسوف أطروحته عن الامكانية أو القوة عام 1956 , وحيث تبين أن مسعاه الرئيسي هو التأسيس لمحادثه بين الفلاسفة المعاصرين والتراث الكبير للفلسفة الغربية . ولقد تعزز هذا المشروع الرورتي أكثر بإصدار الفيلسوف لكتابه الأساسي عام 1979 وعنوانه " الفلسفة ومرآة الطبيعة" . فمع رورتي بالخصوص مع مؤلفه "الفلسفة ومرآة الطبيعة" تتحول الفلسفة من ميدان نظرية المعرفة لتصبح فعلاً منشئاً أو مشيداً غرضه إعادة بناء الفلسفة . فهو يشير إلى أن مشروعه ينطوي على مهارة حرفي أو مرقّع يقوم بجمع قطع أو أجزاء من دريدا ووضعها إلى جانب ديوي , وإقتطاع عناصر من ديفيدسون وتقريبها من فتغنشتاين وأمور من هذا القبيل أكثر من أن يكون عملاً أصيلاً . إلا أننا نرى في موقف رورتي تقارباً كبيراً في مشروعه مع موقف ديوي الذي سعى فيه إلى التجديد في الفلسفة متخذا من القاموس البراغماتي الذي يعج بمفاهيم : الخبرة والبحث , التفاعل الكائن مع المحيط , الديمقراطية والتربية , الفعل والنتيجة , جدلية الغاية والوسيلة , بوصفها أدوات منهجية ومعرفية لحقيق مشروعه .

1- مسار البراغماتي

استتباعاً لنفس الخط عند ديوي يتجه رورتي صوب ميدان الإبستيمولوجيا ( الميدان ) الذي كان ديوي قد خصه بجملة من الانتقادات لا سيما في نقد المعاينة أو المتفرج في المعرفة حتى يؤكد على وجهة نظره الداعية إلى الممارسة والفعل والتأكيد على البعد البراغماتي في مضمار المعرفة وإبراز مكمن التوحيد بين النظر والعمل ونبذ كل فصل منهما .
** إستراتيجية رورتي الفلسفية تستند إلى ثلاث ركائز :-
أ. أساليب وآليات التدليل حتى وإن أنكر على نفسه اللجوء إلى مثل هذا النوع من الإستدلال العقلي والتفكير النظري المجرد لانه يمقته ويرى فيه تكريساً للفكر الميتافيزيقي اللاهوتي الذي دعا إلى نبذه .
ب. الواقع التاريخي الذي يستلهم من وقائعه وأحداثه ما يكشف له عن معطيات يوظفها توظيفاً فلسفياً في دعم آرائه .
ج. النص الفلسفي وغيرها من نصوص أشكال التعبير الإنساني الأخرى , يستثمرها رورتي ويوظفها لصالح مشروعه الفلسفي سواء أكان هذا النص براغماتياً أو تفكيكياً أو نص فلسفي آخر في منهجه دون تمييز .

** إن الطابع العام لفلسفة رورتي والذي غالبا ما تلصق به البراغماتيه الجديدة يتسم برفضه لعناصر ثلاثة مما درج عليه التقليد والممارسة الفلسفيين :-
1. نظرية الحقيقة كتطابق أو متطابقة .
2. مفهوم التمثيل المفضل .
3. فكرة ذات متعالية .

- إن هذه الفلسفة تتجه نحو مشروع للسياسة المدنية أو ديمقراطية أجتماعية بناء على تحليل تاريخي للمشكلات الفلسفية المثاره .

2- الفيلسوف الجديد

لا تزال ردود الفعل والانتقادات الموجهه لرورتي تتوالى وتظهر من فترة إلى أخرى فأراء الفيلسوف تثير جدلا واسعا تتباين فيه المواقف . يصف رورتي وضعه هذا ويقول " إذا كان من الضروري إستخلاص فكرة ما , بأن الوضع الفكري الأفضل هو ذاك ما يقع في مسافة متساوية بين اليمين واليسار , فأنا هو بالتأكيد الرجل المناسب لهذه الوضعية " .

الفصل الثاني : ريتشارد رورتي والفلسفة

أولا : ريتشارد رورتي فيلسوفاً

لا يختلف الفلاسفة والدارسون حول أهمية وقيمة شخصية رورتي الفلسفية حتى وإن إختلفوا معه في تصوراته وأفكاره .
أ. مسار فلسفي : عرف رورتي بإتجاهه البراغماتي بعد أن إهتم في باديء الأمر بالفلسفة التحليلة التي عدل عنها ليحمل لواء البراغماتية الجديدة .
ب. الأثر البراغماتي : ساهم إذاك رورتي بقدر كبير في إحياء البراغماتية من خلال أعماله العديدة التي غالبا ما تشير إلى الجذر والعنصر والمبدأ البراغماتي في كتاباته .

** يعرب روتي في أكثر من موضع أنه تابع لخط ديوي الفلسفي أي البراغماتي الوسيلي الذي عرف به الفيلسوف , حتى وإن أنكر عليه البعض عدم التقيد بتوجهات ديوي وأفكاره .

ثانيا : البدايات الفلسفية

تبدأ حياة رورتي في يوم 4 أكتوبر 1931 بمدينة نيويورك حيث تربى وسط أسرة تؤمن بمباديء العدل والمساواة بين الجميع وكانت تشع من أرجاء بيت آل رورتي الأفكار الأشتراكية التي كان والده يناضل في سبيلها فلقد كان والده عضو في الحزب الشيوعي , ومثلما كانت طموحات رورتي تتمثل في قراءة الكتب التي كانت تملأ خزانة الأسرة فقد كان طموحه أن يصبح فيلسوفا حتى قبل أن يتخصص في الفلسفة .
المرحلة الأولى : الطموح ,, في سن الخامسة عشر تحول إلى قراءة أفلاطون وأرسطو وهجر الدين إلى الفلسفة , ولقد رأى رورتي أن فكرة سقراط " توحيد الفضيلة بالمعرفة" يمكن أن تتجسد في حلمه بأن يصبح فيلسوفاً , هذا الحلم بدأ يراوده وهو في صباه واستمر ينمو في التدريج وبالموازاة مع قراءاته الفلسفية المتنوعة والمتعددة لعدد هام من كلاسيكيات النصوص الفلسفية وأيضا بفعل إحتكاكه ببعض المثقفين والمفكرين وبعض الأساتذة في المدارس التي ارتادها . كان رورتي يجتهد فيما بين 15 والـ 20 من عمره في تحقيق حلمه وقد صادف أن استشار سيدني هوك الذي كان صديقاً للعائلة فقال له الأخير حسنا تريد أن تصبح فيلسوفاً إذن أكتب وأنشر مبكراً وإعمل ذلك أغلب الأحيان . يبدو أن نصيحة هوك وجدت أذن صاغية من لدن رورتي ومن ثم عرفت طريقها إلى التطبيق , بدأت في جامعة شيكاغو وحصل عام 1949 على بكالوريوس في الفنون , وفي عام 1952 تقدم بأطروحته لنيل الماستر حول فلسفة وايتهيد بعنوان " إستخدام وايتهيد لمفهوم الأمكانية أو القوة " , وفي عام 1956 تقدم مجددا بأطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة بعنوان " مفهوم الأمكانية أو القوة " . يتجلى من خلال عنوان الأطروحتين أن رورتي بحث أشكالية الأمكانية أو القوة متدرجاً فيها من الخاص إلى العام .

المرحلة الثانية : التطور , في كتاب الفلسفة ومرآة الطبيعة يقول رورتي " منذ بدء دراستي استرعى إنتباهي الكيفية التي بها تظهر وتختفي المشكلات الفلسفية أو كيف تتغير بحسب المسلمات الجديدة أو المفردات الجديدة بفضل ريتشارد ماكيون وروبيرت برومبو , تعلمت أن أتصور تاريخ الفلسفة ليس كسلسة من الحلول نظيره لنفس المشكلات , ولكن كجملة من المشكلات جد متميزة . وبفضل رودولف كارناب وكارل همبل تعلمت كيف يمكن معالجة القضايا الزائفة , وإماطة اللثام عنها وكشفها كما هي بنقل وتحويلها إلى لغة صورية . بفضل تشارلز هارتشورن وبول وايس , تعلمت كيفية القيام بهذا الكشف بواسطة الترجمة إلى عبارات وايتهايديه أو هيغيليه . لقد كنت محظوظاً جداً أن يكون هؤلاء الرجال أساتذة لي .. " .

المرحلة الثالثة : الإكتمال , لقد كانت ثمار هذه النماذج والتنوع المنهجي بارزه في مؤلف رورتي "الفلسفة ومرآة الطبيعة الذي ظهر سنة 1979 . شكلت في مجملها الفلسفة الرورتية بسؤالاتها اللامتناهيه وبتخطيها لحدود التقسيمات الثقافية وبإندماجها الواسع في واقع الحياة العصرية وملاحقاتها لمعضلات الحداثة الغربية في جوانبها العقلانية , الأنسانية , الكونية , التقدمية , والتاريخية وكذا مساءلتها لخوم ما بعد الحداثة في الأدب والتفكيك وحركات الأختلاف في المجتمع , الأدب والفن , السياسة والفكر .
** تنقسم مسيرة فكر رورتي وأعماله إلى :
1. الفترة الأولى : تكمن في نقد الفلسفة الغربية بشكل عام والأنجلو-ساكسونية بشكل خاص .
2. الفترة الثانية : تتضح في البناء أو التشييد التدريجي للبراغماتية ما بعد الحداثة ( البراغماتية الجديدة ) .

ثالثا : صلات فلسفية

1- رورتي والتروتسكية

رورتي عاش طفولته ترتسكياً بضغط وإن كان غير مباشر أرغم فيه رورتي الصغير على الأطلاع على التروتسكية وهو ما حمله جوابه عن سؤال إن كان قد إختار التروتسكية بمحض إرادته أم هو مفروض عليه من قبل والديه فكان جوابه أن التروتسكية كانت بمثابة عقيدة العائلة ومثلما ينشأ الأنسان نظامياً , صحياُ , أو يهودياً فكانت نشأته هو تروتسكية , وكانت الحياة تمضي وقناعة رورتي تكبر بأن الرأسمالية مصدر الشرور فقد كان يكبر وقناعته تزداد بأن جميع الناس الأخيار إن لم يوجد تروتسكيين ينبغي أن يكونوا على الأقل إشتراكيين .

2- رورتي والفلسفة التحليلية

بدايات كتاباته كانت ضمن إطار ومناخ الفلسفة التحليلية التي تأثر بها في بداية منحاه الفلسفي يقول رورتي " إن تاريخ الفلسفة يؤكد على التمرد ضد ممارسات الفلاسفة السابقين وذلك في محاولاتهم لتحويل الفلسفى إلى علم - أي إلى فرع أو أفق معرفي يعترف فيه عالمياً بقرار الإجراءات الصالحة لاختبار الدعاوي الفلسفية , فمحاولات الفلاسفة التحليليين إتسمت بكونها تجارب فلسفية جديدة إتخذت لنفسها مجالاً محدداً هو اللغة وأرادت تطبيق منهج التحليل اللغوي أو المنطقي للغة .

3- علاقة رورتي بــ ديوي

لم تكن علاقة رورتي ب ديوي لتعرف ذلك الأرتباط الذي حدث بين الفيلسوفين إلا في مرحلة لاحقة . ومع التحول الفكري الذي وجهه رورتي صوب ديوي وإكتشافه من جديد وإعادة قراءته لتحيينه ومن ثم تحيين الفلسفة البراغماتية . يقول رورتي عن كيفية بناءه لديوي طبقاً لقراءته " أن أهمية بناء ديوي كالذي أسعى إلى تشكيله تكمن في فصل ما أعتقد أنه حي من الذي يكون ميتاً من فكره وكذا في إيضاح الاختلافات بين حالتي الساحة الفلسفية ما بين 1955 والآن " . ابتداءاً من سنة 1972 ينتقل ديوي إلى مركز الصدارة في كتابات رورتي وفي مؤلفه الأساسي " الفلسفة ومرآة الطبيعة " قاد هذا الأخير حملة قوية لإحياء وبعث صورة وأثر ديوي في الفلسفة المعاصرة .

4- رورتي وهيدغر

تعود الأهمية الكبيرة التي يعطيها رورتي إلى مارتن هيدغر إلى دوره الرئيسي في " تخليصنا من التأويل التقني للفكر " الذي تمتد جذوره في تاريخ الفلسفة الغربية إلى الأغريق . في الواقع أن ما يحبذه رورتي في فلسفة هيدغر لم يشفع له عند رورتي فيفضل عليه ديوي .

5- رورتي وفتغنشتاين

يرى رورتي أن فتغنشتاين قد حررنا من المعاني الكانطية من مثل "في الذهن" , "من انتاج العقل" , "الشيء في ذاته" , "الحكم القبلي" , وجميع الثنائيات التي لا تعرفنا في أحسن الأحوال إلا بجانب السطح والظواهر ونترك بواطن الأشياء وأعماقها مجهولة وتحيلنا إلى مواقف لا أدرية . من خلال مجهود فتغشتاين يعتقد رورتي أنه " يتوجب علينا ن نعدل عن الحلم القديم , المتقاسم بين أفلاطون ورايشنباخ الذي أيقظنا منه فتغنشتاين ذلك الحلم الذي يجعل من الفلسفة , المعرفة , ماهي المعرفة العلمية , نتيجة البحث حول طبيعة كل بحث ممكن " .

الفصل الثالث : دلالات مصطلحي الحداثة وما بعد الحداثة

أولاً : الدلالة اللغوية للحداثة

1- في اللغة العربية

أن مصدر الحداثة فعل حَدَثَ أي حدث االشيء يحدُثُ حدُوثاً وحَدلثَةً , وأحدثَهُ هو , فهو مُحدَثُ وحَديِثُ وكذلك استحدَثهُ . من هذا المصدر أي فعل حدَّث - تشتق ألفاظ داله على معاني اللسان في الحديث , فالحديث من حدّث وتحدّث حديثاً أي تكلم كلاما ولغة ةالأصل في اللغة الكلام كما يقال . وكذلك يشتق لفظ الحدوث في الوجود فالحدوث من حدث يحدث حدوثاً , أي وجد وأصبح حدثاً بعد أن لم يكن . نجد أيضا لفظاً يمكن إشتقاقه من مصدر الفعل حدث يدل على معنى الزمان فتصل بالمعنى الوجودي , ذلك أن حدوث الشيء يحمل بعداً زمانياً وحدوثه يكون في آن وفي وقت معين سواء كان متوقعاً أو مفاجئاً ومنه يكون منشؤه وميلاده في اللحظة التي يحدث فيها . إذن من المصدر حَدَثَ يشتق مصطلح الحداثة بدلالتين من الناحية اللغوية حَدَثَ حُدُثاً وحَدًاثة : نقيض قَدُمَ , فالناحية الدلالية اللغوية الأولى هي التقابل بين القدم والحداثة . والحديث : الجديد من الأاشياء يفيد معنى مزدوج فقد يفيد نقص الخبرة وعدم التمرس كما أنه يفيد شيئاَ جديداً لم تطله أيادي الآخرين أي بما يفيد الأثارة والأشتهاء .

** من أبرز الدلالات اللغوية في لفظة الحداثة ما يشير إلى الحدوث المرادف للوجود والخروج من العدم وهو نقيض القدم , والحدوث في عرف اللغويين ثلاثة أنواع :-
1. الحدوث الذاتي : كون الشيء مفتقداً في وجوده إلى الغير , وهو ما يعرف عند الفلاسفة بنظرية الجوهر , وهو ما يقوم بذاته ولا يحتاج إلى غيره .
2. الحدوث الزماني : كون الشيء مسبوقاً بالعدم سبقاً زمانياً وهو ما يعرف عند بعض الفلاسفة بنظرية الخلق أي الخلق من العدم .
3. الحدوث الأضافي : كون الشيء قد مضى من وجوده أقل مما مضى من وجود شيء آخر وهو ما يقابل نظرية التطور في بعض المذاهب الفلسفية القائلة بالتفسير عن طريق الطفرة والأنتخاب .

** لفظ الحداثة من الناحية اللغوية يشير إلى مدلولات مختلفة يمكننا حصر مضامينها في ثلاث خانات رئيسية من خلال جذر الكلمة حدث :-
1. مضمون الحداثة / الزمن : نقيض القدم , الابتداء , والإبداء وأول الظهور الذي يشمل الجدّة .
2. مضمون الحداثة / الخطاب : وهو يشير إليه لفظات الحديث , المحادثة , التحدث , الأحدوثة .
3. مضمون الحداثة / الوجود : هو مضمون تدل عليه كلمات عدّة كالحدوث , الحدث , الحادث , الحادثة , الحوادث , والأحداث .

2- في اللغات الأجنبية

يمكننا القول أن مصطلح الحداثة مجسداً في بداية إستعماله في صفة الحديث - لا سيما على المستوى اللغوي المعجمي والمفرداتي في اللغة الفرنسية في القرون 17 , 18 , 19 قد إنحصر في دلالتين هما :-
أ. البعد الكرونولوجي / الزماني : الذي يتعين في التحقيب من خلال وصف العصور والفترات التاريخية .
ب. البعد الأكسيولوجي / القيمي : الذي تتحد معه خصائص الأشياء المنتسبة من خلال البعد الزمني فتغدوا أحياناً إن كانت حديثة , ذات قيمة إيجابية أو العكس .

- إذا شئنا تلخيص المضمون المعرفي لما تدل لفظة حداثة الغربية التي مهما إختلفت لغاتها فإنها تعود إلى أصل واحد هو الأصل اللاتيني .

** إذن يمكن أن نحصر دلالات لفظة حداثة من جانبها اللغوي في اللغات الغربية وفق مما يأتي :-
1. الدلالة الزمانية التي تحمل بعداً كرونولوجي يصنف العصور والحقب التاريخية .
2. الدلالة التاريخية بحيث يغدو الفعل الحداثي نوعاً من الإسقاط على التاريخ .
3. الدلالة الإكسيولوجية التي تتضمن بعداً قيمياً من خلالها تكون الأحكام على الأشياء .
4. الدلالة الديناميكية التي تتجسد في الأشياء الجديدة وهذه الدلاله تحيلنا في غالب الأحيان إلى ترادف الحديث مع الجديد والشيء الذي لم يكن موجوداً من قبل .
5. الدلالة البنائية التي تشير إلى الشكل والهيأة من خلال الجذر اللاتيني modo وهو ما يحيل إلى أن الحداثة ليست مجرد تحقيب زماني بقدر ما هي بنية بأكملها .
6. الدلالة الأنسانية وتبرز من خلال جانبين :-
أ. كون الحداثة فعل بشري يتسم بإبراز الاكتسابات الجديدة والطرق والوسائل التي يسبق إستعمالها .
ب. كون صفة الحداثة حكم إنساني فيه من دلالات الاهتمام والرغبة ما يجعل هذه الصفة معياراً للتمدن والتحضر .

3- مقارنة بين دلالات مصطلح الحداثة في اللغات العربية والأجنبية :-
1. توافق مدلول اللغات على ترادف الحديث والجديد فالأشياء الحديثة هي منظور لغوي اشتقاقي ما نصفه بالجديد .
2. يتبع التوافق الول توافق ثاني يجعل من الجديد مدلاولاً تاريخياً ويصبح التقابل بين القديم والحديث هو ما يعطي بالأساس معنى زمانياً للحداثة .
3. توافق آخر ناتج عما سبقه يتحدد في كون الحداثة صفة للحاضر الذي نعيشه أو للأزمنة القريبة منا .

ثانيا : الدلالة الإصطلاحية للحداثة

1- مصطلح الحداثة

الحديث صفة للحداثة فالحديث نقيض القديم ويرادفه الجديد ويطلق على الصفات التي تتضمن معنى المدح أو الذم , ضمن هذا الطرح لا نعثر على ما يختلف فيه تعريف الحداثة في المدلول عما سبق التعرف عليه في المدلول اللغوي . الموقف الحداثي السليم يتطلب نظرة تقويمية يوازن فيها الأنسان بين ناحيتي الإيجاب والسلب في الحداثة فالحديث ليس كله خير والقديم ليس كله شر , وخير وسيلة للجمع بين محاسن القديم والحديث أن يتصف أصحاب الحديث بالاصالة , والعراقة , والقوة والأبتكار وأن يتحلى أصحاب القديم عن كل ما لا يوافق روح العصر من التقاليد البالية والأساليب الجامدة .

2- الحداثة فلسفياً

** المواقف الفلسفية تضعنا أمام تساؤل ذو وجه مزدوج :-
أ. الوجه الأول فيه نظري "يبحث عن المعنى الأساسي للحداثة والتحديث من خلال بنيته ونمط عمله ومستتبعاته الفكرية".
ب. الوجه الثاني أقرب ما يكون إلى البعد الوجودي الذي يكون فيه التساؤل مصيرياً ويغدو معه اتخاذ موقف معين أمراً يكاد يكون حتمياً إما مع أو ضد الحداثة أو قد يكون موقفاً مبنياً على التوفيق بينهما ضمن نظرة نقدية توفيقية .

** تجد الحداثه منحصرة بين بعدين يشكلان ماهية الحداثة يعتبر البعد التاريخي ذو دلالة حاسمة في تحديد مسارات البشرية كما يعتبر البعد المعياري أساسياً في فهم تصنيف الحداثة تاريخياً .

3- تقييم الحداثة

يذهب هابرماس إلى إعتبار الحداثة " وعي عصر ما يحدد نفسه بعلاقاته بماضي العصور القديمة ويفهم ذاته كنتيجة انتقال من القديم إلى الحديث " , أكثر من اعتبارها مسألة تحقيب زمني تصبح معه الحداثة وصف للتطور .
فالحداثة هي أقرب في المعنى إلى ما يصفها به آلان تورين من أنها أكثر من كونها " مجرد تغيير أو تتابع أحداث : إنها إنتشار لمنتجات النشاط العقلي العملية , التكنولوجية , الأدارية . فهي تتضمن عملية التغيير المتنامي لعديد من بين قطاعات الحياة الأجتماعية : السياسية والأقتصادية والحياة العائلية والدين والفن على وجه الخصوص , لأن العقلانية الأداتية تمارس عملها في داخل النشاط نفسه " , هي إذن ظاهرة متعددة المعالم .

ثالثا : ما بعد الحداثة

ونحن نتساءل عن مفهوم ما بعد الحداثة . نتأمل موقف جان بودرييار عنها الذي يذهب إلى القول " هي حالة من فقدان المركزية , ومن التشعب , نساق فيها من مكان إلى مكان عبر سلسلة متصلة من السطوح العاكسة كالمرايا المتقابلة تجذبنا صرخة الدال المجنون ".

** وقد أثار إستخدام مصطلح ما بعد الحديث أو ما بعد الحداثي جملة من المفاهيم يمكن إجمالها في :-
1. إشارة إلى مفاهيم عديدة لمعنى الحداثة في الفنون والعمارة ولمعنى التحديث الذي أصبح سمة "المجتمعات الحديثة".
2. إشارة إلى مفاهيم عديدة عن الحقبة الحديثة الممتدة من عصر النهضة إلى العصر الحاضر .
3. إشارة إلى تعريف (modernism) على أنها محصلة "الحداثة" و "العصري" و"التحديث" , أي التأليف بين مفاهيم ومدلولات الحاضر وفعل الأصلاح والتجديد والتحولات الحاصلة على أكثر من صعيد .

** فأنه لا يتأتى لنا إدراك معنى ومضمون ما بعد الحداثة من دون الرجوع للحداثة وتفكيك أساطيرها .

1- مدلولات الــ " مابعد "

الجزء الاخر المكمل لهذا الفهم هو الــ"مابعد" (بوصفها إشارة إلى الأنفصال عن مكونات الحديث أو إستمراره أو بوصفها مزيجاً من الأثنين أو جدلية للانفصال والأتصال ).
ومثل ما يقول هابرماس بشأن الحركات الفلسفية فإن ( "ما بعد" , ليست فقط إنذارات انتهازية تشتم ريح العصر , بل يجب أخذها بجدية والنظر إليها على أنها مقياس زلزال عقل الزمن ).
يذهب إمبرتو إيكو إلى القول بأن ما بعد الحداثة "ليست تياراً حتى يتسنى تحديده زمنياً بل هي باب مثالي أو أسلوب عمل نموذجي ويمكن القول أن كل حقبة لها ما بعد الحداثة الخاصة بها بنفس الصورة التي يكون لكل حقبة نزعة للتأنق خاصة بها", من خلال هذا يكون معنى "مابعد" منحصراً في إحدى الدلالتين الزمان والأسلوب .

2- مفهوم ما بعد الحداثة

نكتشف في كل ما ذكر أن وضع مفهوم ما بعد الحداثة ليس بأحسن حال من مفهوم الحداثة من ناحيتي الضبط والوضوح . من هذا المنظور تكون المفاهيم والمصطاحات خاضعة لقاعدة التطور والتغيير والأختلاف وهو الأمر الذي ينطبق على مفهوم ما بعد الحداثة .
وفي الفلسفة فإن فكرة ما بعد الحداثة نشأت من نقد العقل والذي أعتبر أول رد فعل إزاء تحولات الأوضاع الأجتماعية .
فمن السخف إذن وصف ما بعد الحداثة بأنها "نزعة غير عقلانية أو تيار فكري مضاد للعقل , على ما رأى إليها هابرماس . ذلك أن نقد العقلانية كما مارسه مفكروا ما بعد الحداثة , لا يعني نفي العقل بقدر ما يعني توسيع إمكانياته بالحفر في المناطق المستبعدة أو المرذولة من النشاط العقلي , أو بإستنباط صعد جديدة لعمل الفكر واستنبات المفاهيم".

3- تاريخية ما بعد الحداثة

يمكن أن نحدد لحظات حاسمة بالنسبة لمفهوم ما بعد الحداثة تتمثل في المحطات الآتية :-
أولاً : في الفترة الممتدة قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها إستخدم المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي , مصطلح ما بعد الحديث قاصداً به الحقبة الأخيرة من التاريخ الغربي أي حقبة تتسم بالعقلانية والقلق وفقدان الأمل .
ثانياً : في إستخدام المصطلح في ميادين ليست فلسفية من طرف الناقد تشارلز جينكس حيث أخذ المصطلح بدءاً من 1975. دلالته القريبه مما هو متداول اليوم "مزاوجة الشفرات كما يوحي بذلك اللفظ ذاته post-modernism" الذي يعني إستمرار الحداثة .
ثالثاً : في إستعمال المصطلح فلسفيا وقد كا ذلك متأخراً من طرف جان فرانسوا ليوطار عندما أكد في كتابه "الوضع ما بعد الحداثي" , الصادر سنة 1979 , على ضرورة أن يتأقلم الأنسان في العيش من دون "ميتاروايات" وهي بمثابة أساطير أو مذاهب تاريخية في التقدم والتي غزت المجتمعات الحديثة حتى الفترة المعاصرة .

** يعتبر رورتي أن منشأ ما بعد الحداثة يمكن في الوعي التام بما قدمته البراغماتية من تصورات ترفض الاقرار بعدم وجود وجهة نظر يمكنها الأفصاح عن الحقيقة المطلقة للوقائع أو تتيح لنا تحديد ماهية الأشياء . وتبعاً لهذا يرى رورتي أن النتائج المترتبة على هذا الاقرار تتصل بميادين المعرفة , الأخلاق والسياسة وهي :-
1. إتفاق الكائنات البشرية فيما بينها أفضل من معرفة الحقيقي .
2. نقد المعرفة العلمية بوصفها عقلاً أسمى ومصدر للسلطة .
3. أولوية الأرادة والحرية الانسانية على المعرفة .
4. أولوية الديمقراطية على الكفاءة الذهنية وأولوية المحادثة على منطوقات المعرفة .
5. رفض جزئي للعقلانية الموروثة عن الأنوار والأزمنة الحديثة .
6. الدعوه إلى التخلي عن كل محاولة للتبرير والأثبات على أسس من العقل .
7. إعتبار الفلسفة عنصراً من عناصر الثقافة البشرية دون إلباسها ثوب القداسة .
8. إعتبار الفضاعة والقسوة أقصى ما يمكن تجنبه بالنسبة للمجتمعات الديمقراطية الليبرالية .
9. ينبغي النظر إلى الفلسفة بوصفها نوع من المحادثة الأنسانية ونوع من الكتابة الأدبية والدعوة إلى محو الحدود التي وضعت بين الفلسفة , الأدب والعلوم الأنسانية .
10. ضرورة إنفتاح الفكر الفلسفي على تجارب الأبداع الأدبي الكفيلة بإطلاعنا على صور الفضاعة .
11. التفاؤل بإمكانية تحسين ظروف الكائن البشري من خلال الطموح والأمل الذي جعله رورتي أولياً على كل معرفة .

** ما بعد الحداثة هي أقرب ما تكون إلى حركة فكرية تتعدد بداخلها الآراء وتتفرع إلى إتجاهات تتباين في المصدر والتوجه ولكنها قد تشترك في خصائص بعينها منها :-
أ. التمرد على الحداثة وقد تجلى هذا التمرد في الحركات الفنية المعاصرة وبوجه خاص منها فن العمارة .
ب. إنبثاق تيار فلسفي عرف بإسم ما بعد البنيوية مثله بالخصوص ميشال فوكو , التي تتشابه إلى حد كبير في بعض ملامحها مع ما بعد الحداثة .
ج. بروز نظرية المجتمع ما بعد الصناعي وهي نظرية تشير إلى بروز مفهوم المجتمع الحديث بوصفه مجتمعاً ما بعد صناعي وقد يشار إليه بمجتمع المعرفة أو المعلومات .

4- تجاوز الحداثة أو المرور إلى ما بعد الحداثة

يُبرز موقف ليوطار من فشل الحداثة , أن الأحداث التي طبعت النصف الأول من القرن 20 تعتبر بمثابة رموز ودلالات على إنهيار المشروع الحداثي . يقدم ليوطار تصوره المبسط لما بعد الحداثة بوصفها "أنكاراً أو شكاً إزاء الروايات الكبرى فهذا الأنكار إن كان دون شك أثراً لتقدم العلوم غير أن هذا التقدم بدوره يفترضه" , لقد إعتبر ليوطار أن "الروايات الكبرى" فقدت مصداقيتها وهي أشبه بالاساطير , الهدف منها تبرير المؤسسات والممارسات الأجتماعية والسياسية , التشريعات , الأخلاق وطرق التفكير .

5- مقارنة الحداثة وما بعد الحداثة

يجملها مقال إيهاب حسن , وهي عبارة عن اطروحات تتسم بخاصيتي التجديد والتفكيك وهذه الأفكار هي :-
1. تيار ما بعد الحداثة يعتمد على تجاوز الصيغة الأنسانية للحياة الأرضية بصورة عنيفة يكون في التجاذب بين قوى الرعب والمذاهب الشمولية , التفتت والتوحد , الفقر والسلطة .
2. تيار ما بعد الحداثة نابع من اتساع للوعي من خلال منجزات التكنولوجيا والتي إستحوذت على دوائر المعرفة في القرن العشرين أو هي حجر الأساس في المعرفة الجديدة .
3. تيار ما بعد الحداثة يتبدى في إنشاء اللغة كمقوم إنساني وفي غلبة الخطاب والعقل .
4. تيار ما بعد الحداثة يسعى إلى تقديم نمط جديد من إلتقاء الفن بالمجتمع أو الدعوة إلى (الثقافة الشعبية) في مقابل ثقافة نخبوية ميزت الحداثة أو بحسب تعبير فيدلر بأن ما بعد الحداثة تعبر عن الفجوة بين الثقافة الراقية والثقافة الشعبية .
5. تيار ما بعد الحداثة يتطلع إلى الأشكال المفتوحة , المرحة والطموحة , والإنفصالية والمهجورة أو غير المحدودة لتكوين خطاب مؤلف من شظايا أو تكوين إيدولوجية التصدع التي تعمد إلى الحل والفض وتستنطق الصمت - رغم كل ذلك فإن تيار ما بعد الحداثة ينطوي أيضاً على عكس هذه المكونات ونقائضها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق