السبت، 12 ديسمبر 2015

كيف تكتب خطة بحث لرسالة علمية (ماجستير – دكتوراه)؟

9c2ad5a13c56723784245e35d7300ef2
إن الباحث الجيد يجب ان يكون ذو دراية كاملة بكيفية كتابة خطة بحث جيدة واختيار عنوان بحثى جيد، فهناك عدة عناصر يجب توافرها لعمل هيكل لرسالة علمية، وهذا الهيكل يتم كتابتة عند اختيار موضوع الرسالة العلمية لتكون الرسالة محددة ولها هدف محدد وواضحة الجوانب .

أهداف الرسالة (الأطروحة) البحثية Thesis Statement

هناك خمسة أسئلة رئيسية يجب أن يجيب الباحث عنها أثناء القيام بعمل خطة بحثية وهى :
مصدر الصورة: https://www.teambonding.com
مصدر الصورة: https://www.teambonding.com
1- WHY ؟ أى لماذا سأقوم بعمل هذا الموضوع البحثى.
2- WHAT ؟ أى ما هو الهدف والأهمية لهذا الموضوع البحثى.
3- WHERE ؟ أى تحديد المكان الذى سيتم علية الموضوع البحثى أما دولة أو مدينة أو عدة دول.
4- WHEN ؟ أى تحديد الزمان الذى ستقوم علية الدراسة مثل فى القرن الكذا.
5- HOW ؟ أى كيف سيقوم الباحث بعرض الموضوع البحثى.

  أنواع الرسائل العلمية :

يوجد نوعان للرسائل العلمية و يجب التفرقة بين الورقة البحثية و الرسالة العلمية، في الرسائل يختلف مفهوم كل منهما عن الآخر وطريقة عمل البحث وفكرة البحث والهدف من البحث، فهناك رسالة الماجستير ، ورسالة الدكتوراة. ، فلنتعرف سوياً ما الفرق بينهما وما هو مفهوم كل منهما ؟

رسالة الماجستير (Master)

هى بحث علمى يعتمد على جمع المعلومات من مصادر مختلفة وتصنيفها وتحليلها للوصول إلى نتيجة ، وفى رسالة الماجستير لا يضع الباحث رؤيتة البحثية أو ارائة الشخصية فقط يقوم بجمع المعلومات وسردها بطريقة جيدة للوصول إلى نتيجة.

 رسالة الدكتوراه (PhD)

 هى من أعلى الشهادات التى يحصل عليها الباحث ، و تتميز بأنها تكون متخصصة ، و يشترط الوصول إلى أختراع أو نظرية جديدة أو شىء لم يسبق أثباتة ، و تكون هذة النتيجة أو الختراع خاص بالباحث ، وتسجل بأسمة.
وبهذا يختلف كل منهما عن الآخر فى طريقة التناول والسرد والهدف أيضاً.
research-wallpaper-2048x1536
مصدر الصوره : http://wallpaperswide.com/research-wallpapers.html
وهناك عناصر للخطة البحثية يجب معرفتها وفهمها جيداً للقيام بعمل خطة بحثية و يختلف هيكل الخطة من مجال لآخر و لكن هناك عدد من العناصر الثابتة في الهيكل كما ذكر دليل الكتابة العلمية و التقنية المنشور لدى MIT.

عناصر الخطة البحثية:

1- عنوان البحث
2- المقدمة
3- مشكلة البحث
4- أهمية البحث
5- (حدود البحث (حدود مكانية ، حدود زمانية
6- منهج البحث أو مناهج البحث
7- (محتويات البحث (أبواب، فصول، تحليل و نتائج
8- المراجع
خطة بحث الرسائل العلمية

والأن لنتعرف سوياً على كل عنصر من عناصر خطة بحث الرسائل العلمية بطريقة مفصلة :

1- عنوان البحث

يجب أن يكون عنوان البحث محدد ، مختصر و واضح فى الوقت ذاته، فلا يكون عنوان مفتوح أى يشمل كثير من المواضيع بداخله ولكن محدد للمجال البحثي و موضوع البحث، وأن يكون عنوان مختصر لا يحتوى على سرد او شرح، حيث ان طول العنوان لا يساعد على التركيز على المحتوى و انما تكون نتائجه سلبية، لذلك فيكون طول العنوان المناسب من خمس الى عشر كلمات، ولا يضم تفاصيل متعددة ، يضم موضوع محدد يدل اننا سوف نتعمق فى تفاصيله.

2- مقدمة البحث

تعتبر المقدمة هى تمهيد للقارىء لقراءة الموضوع و التفاعل معه، وعرض شامل لطبيعة وفكرة الموضوع وفكرته وتتضمن ماهية الموضوع وتخلو من الشرح المستفيض فلا نتعمق فى الموضوع فقط يكفي تمهيد له، ويجب أن لا تتعدى صفحة واحدة، ولا تحتوى على هوامش ولا تكتب على هيئة نقاط بل تكتب على هيئة فقرات متتابعة تأخذ القارىء الى فهم الموضوع و التفاعل معه، ولا تحتوى على عناوين جانبية.
introduction_small
مصدر الصورة : https://rickrainerludwig.files.wordpress.com/2010/12/introduction_small.jpg

3- مشكلة البحث / فرضية البحث

تعتبر مشكلة البحث من العناصر الهامة فى خطة البحث فهى تظهر المشكلة الأساسية التى سيتعرض الباحث لحلها خلال دراسته البحثية ، فهى أن الباحث يطرح مشكلة ويبحث عن حلها، بمعنى أخر فهو يقوم بتحديد المشكلة ثم يقوم بافتراض فرضية البحث و التي من خلالها يتم وضع هيكل و خطوات الوصول للنتيجة الا و هي حل المشكلة المطروحة.
Problems
مصدر الصورة : http://fcpspart1dentistry.com/wp-content/uploads/2015/01/Problems.jpg

4- أهمية البحث

إن المقصود من أهمية البحث أن يعرض الباحث ما هى الفائدة من هذا البحث وما هى الأسباب التى جعلتة يختار هذة النقطة البحثية ، كذلك أهمية هذا البحث للتخصص والمجتمع ككل ، ويتم تقسمها إلى قسمين وهما :
أ- بالنسبة للتخصص
فنعرض فى هذة النقطة ما سيضيفة البحث ونتائجة إلى التخصص ، فيجب أن يضيف شىء جديد، ليس شرطاً ان يكون ابتكار او اضافة جديدة تماماً و انما اثبات صحة او خطأ فرضية يكون كافِ خصوصاً في مرحلة الماجستير.
ب- بالنسبة للمجتمع
نعرض فى هذة النقطة أهمية البحث بالنسبة للمجتمع والعائد الذى سيعود للمجتمع من هذا البحث، مثل الأرتقاء بالمستوى الثقافى أو المادى أو يزيد من الوعى الحضارى للمجتمع وهكذا تبعاً للمجال البحثي و لتخصص الدراسة و أهدافها.
researchgroupthumbnail_20140201152902_BOOK20Wallpaper__yvt2
مصدر الصوره : http://olevelcoach.com/wp-content/uploads/2015/03/researchgroupthumbnail_20140201152902_BOOK20Wallpaper__yvt2.jpg

5- (حدود البحث (حدود مكانية ، حدود زمانية

ويقصد بحدود البحث، أن يحدد الباحث الفترة الزمانية و المكانية للبحث، أما الحدود الزمانية أى تحديد الزمان الذى ستقوم علية الدراسة مثل فى القرن الكذا ، أما المقصود بالحدود المكانية أى تحديد المكان الذى سيتم علية الموضوع البحثى أما دولة أو مدينة أو عدة دول.
هذه النقطة اختيارية و ليس شرطاً ان تنطبق على كل المجالات البحثية فهي تستهدف الدراسات التحليلة في المجالات العلمية و الهندسية او الأدبية التي تعني بالحدود الزمانية بشكل أساسي، اما مجالات الاختبارات و الابحاث فتحقيق هذه النقطة اختيارياً.
The Time Desktop Background
مصدر الصورة : http://hdw.datawallpaper.com/abstract/the-time-desktop-background-496046.jpg

6- منهج البحث أو مناهج البحث العلمي للرسالة

إن تحديد منهج البحث (Research Methods) يساعد الباحث على معرفة كيفية جمع المعلومات البحثية ، وكيفية تصنيفها و وصفها وتحليلها وكيفية الوصول للنتيجة. فهناك عدة مناهج بحثية يختار منها الباحث طريقة بحثة أو يستخدمهم جميعهم فى نفس البحث، وهى:

1- المنهج الوصفى :

يعتبر المنهج الوصفي مظلة واسعة ومرنة تتضمن عددا من المناهج والاساليب الفرعية المساعدة مثل المسوح الاجتماعية أو الدراسات الميدانية أو دراسة الحالة وغيرها. ولهذا يكاد المنهج الوصفي يشمل كافة المناهج الاخرى باستثناء المنهجين التاريخي والتجريبي، ذلك لأن عملية الوصف والتحليل للظواهر تكاد تكون مسألة مشتركة وموجودة في كافة انواع البحوث العلمية.
الخطوات التي يقوم بها الباحثون في المنهج الوصفي :
  • الشعور بالمشكلة، وجمع بيانات تساعد على تحديدها، والتأكد من وجودها الحقيقي.
  • تحديد ملامح وخصائص الظاهرة أو المشكلة والتعرف على الجوانب غير الواضحة منها لدراستها.
  • وضع التساؤلات أو الفرضيات الخاصة بموضوع الدراسة.
  • تحديد متغيرات المشكلة وطبيعة العلاقات بين هذه المتغيرات.
  • تحديد نوع وطبيعة المعلومات المطلوبة.
  • تحديد مجتمع الدراسة واختيار العينة التي ستجرى عليها الدراسة مع توضيح حجم هذه العينة وأسلوب اختيارها.
  • اختيار أساليب جمع البيانات أو إعدادها.
  • القيام بملاحظات موضوعية منتقاة بطريقة منظمة ومميزة بشكل دقيق.
  • وصف النتائج وتحليلها وتفسيرها في عبارات واضحة محددة.
أنواع الدراسات الوصفية:
لا يوجد اتفاق بين الكتاب حول كيفية تصنيف الدراسات الوصفية، وبالرغم من عدم اتفاق الباحثين على أشكال ونماذج محددة للدراسات الوصفية، إلا أنه يمكن تحديد بعض الأنماط التالية للدراسات الوصفية على النحو التالي:
  • الدراسات المسحية ويدخل تحتها: المسح الاجتماعي والمسح المدرسي، ودراسات الرأي العام وتحليل العمل وتحليل المضمون.
  • دراسات العلاقات المتبادلة: ويدخل تحتها دراسة الحالة، والدراسات السببية المقارنة والدراسات الارتباطية.
  • الدراسات التبعية: وتشمل دراسات النمو ودراسة الاتجاهات التبعية.

2- المنهج التحليلى :

يقوم هذا المنهج على عمليّاتٍ ثلاث: التّفسير، والنّقد، والاستنباط، وقد تجتمع هذه العمليّاتُ كلّها في سياق بحثٍ معيّن، أو قد يُكتفى ببعضها عنها، وذلك بحسب طبيعة البحث.
يقوم هذا المنهج على تحليل ظاهرة من الظواهر للوصول إلى أسباب هذه الظاهرة والعوامل التي تتحكم فيها، واستخلاص النتائج لتعميمها.
طريقة بحث من أجل الوصول إلى وصف كمي هادف منظم لمحتوى أسلوب الاتصال ويؤكد الخصائص التالية : تحليل هادف وكمي والرصد التكراري المنظم لوحده التحليل سواء كان موضوع , مفرده , شخصية , سجلات , أعلام , دواوين ..الخ
  • مميزات وعيوب المنهج التحليلى :
المميزات :
  • وجود مصادر المعلومات والرجوع لها تميزه عن غيره .
  • الوصول للآراء الصحيحة .
  • نقل فيه دواعي التحيز بسبب الطبيعة الكمية الظاهرة .
العيوب :
  • احتمال الوصول إلى استنتاج وأحكام خاطئة.
  • تعميم النتائج .
  • احتمال سوء التطبيق .

3- المنهج العملى :

تتعدد أساليب اتخاذ القرارات من الأسهل إلى الأصعب من حيث الجهد، الوقت والتكلفة، حيث يأتي في مقدمة هذه الأساليب من حيث قلة الجهد، والسرعة في الوقت، وقلة التكلفة؛ أسلوب الحدس والتخمين والرأي الشخصي لحل مشكلة معينة.
  • تكمن أهمية دراسة بحوث العمليات في:
  1. المساهمة في تقريب المشكلة إلى الواقع.
  2. صياغة نماذج رياضية معينة تعكس مكونات المشكلة.
  3. عرض النموذج في مجموعة من العلاقات الرياضية وإعطاء فرص مختلفة (للبدائل) لعملية اتخاذ القرارات وبما يساهم في تفسير عناصر المشكلة والعوامل المؤثرة فيها.
  4. تطبيق هذة النماذج في المستقبل عندما تواجهنا مشكلة مماثلة.
و تتطلب البحوث العملية عدة مهارات رياضية من أهمها الحساب بالمصفوفات وعلم الاحتمال ونظرية المخططات (graph theory).
Books
مصدر الصورة : http://thinkpyxl.com/blog/wp-content/uploads/2015/01/Books.jpg

7- محتويات البحث (أبواب و فصول)

يقوم الباحث بتقسيم في كتابة خطة بحث الرسالة إلى أبواب مقسمة إلى فصول ، ويجب أن يكون عدد الفصول بكل باب متساوى للباب الآخر، ويفضل أن تكون الرسالة من ثلاث أو اربع أبواب ، ويفضل ان يكون مقسم كل باب إلى فصلين أو ثلاث، مثلاً: الباب الأول يحتوى على الفصل الأول والفصل الثانى، والباب الثانى يحتوى على الفصل الأول والفصل الثانى، والباب الثالث يحتوى على الفصل الأول والفصل الثانى، ويتم وضع عنوان لكل باب و كل فصل.
ثم النتائج و التوصيات ، ثم الخاتمة ، ويليها المراجع ، ولا نكتب بداخل هذة النقاط الثلاث الخيرة أى تفاصيل فقط عناوين.
Disclosed book on table at library
مصدر الصوره : http://i.huffpost.com/gen/1519136/images/o-PILE-OF-BOOKS-facebook.jpg

8- المراجع*

نقوم بوضع المراجع المستخدمة فى الرسالة بترتيب معين فنبدأ بالمراجع العربية ، ثم وضع الدراسات السابقة، ثم المراجع الأجنبية ، مواقع الأنترنت. ونقوم بترتيب كل المراجع ترتيباً أبجدياً.
أولاً: الكـــتــــــب Books :
اسم العائلة، الاسم الأول (سنة النشر). عنوان الكتاب بخط مائل. (ثم رقم الطبعة إن وجد). مكان النشر: الناشر.
– عطية، محمد عبد الرءوف (2009). التعليم وأزمة الهوية الثقافية. القاهرة: مؤسسة طيبة للطبع والنشر.
– Kneller, George F.(1971). Foundations of Education. New York & London: John Wiley & Sons, Inc.
كتاب مترجم:
اسم عائلة المؤلف، الحرف الأول من الاسم الأول (سنة النشر). عنوان الكتاب بخط مائل. (اسم المترجم غير معكوس، مترجم). مكان النشر: الناشر.
– ريجيو، ر. (1999) المدخل إلى علم النفس الصناعي والتنظيمي. (فراس حلمي، مترجم). بيروت: دار الشروق.
– Laplace, P. S. (1951). A philosophical essay on probabilities. (F. W. Truscott & F. L. Emory, Trans.). New York: Dover. (Original work published 1814).
ثانياً: الموسوعـــات Encyclopedia
اسم عائلة مؤلف المقالة، الاسم الأول (سنة النشر). عنوان المقالة. في اسم الموسوعة بخط مائل (ج رقم الجزء، ص ص. مدى الصفحات). مكان النشر: الناشر.
– العلى، أحمد (1999). المكتبات المدرسية في الكويت. في دائرة المعارف البريطانية (ج 3، ص ص. 501- 503). شيكاغو: دائرة المعارف البريطانية.
– Sturgeon, T. (1995). Science fiction. In The encyclopedia Americana (Vol. 24, pp. 390-392). Danbury, CT: Grolier.
ثالثاً : الدوريات والمجلات والصحف
اسم العائلة، الاسم الأول (سنة النشر). عنوان المقالة. اسم الدورية بخط مائل، رقم المجلد(رقم العدد)، مدى الصفحات.
– الخضر، عثمان .(1999) إعداد نسخة عربية لاختبار القدرة الميكانيكية بواسطة الكمبيوتر. المجلة التربوية، 13(52)، 26-40.
– Mershon, D. H. (1998, November/December). Star trek on the brain: Alien minds, human minds. American Scientist, 86(6), 585.
رابعاً : وقائع المؤتمرات والندوات
اسم عائلة المؤلف، الاسم الأول (تاريخ الانعقاد). عنوان البحث أو المقالة بخط مائل. قــُـدّم إلى اسم الندوة أو المؤتمر، مكان الانعقاد.
– عشيبة، فتحي درويش محمد (1999، مايو). الجودة الشاملة وإمكانية تطبيقها في التعليم الجامعي المصري – دراسة تحليلية. المؤتمر العلمي السنوي السابع لكلية التربية بجامعة حلوان: تطوير نظم إعداد المعلم العربي وتدريبه مع مطلع الألفية الثالثة. القاهرة: جامعة الدولة العربية، ص ص.1 – 35.
– Aly, Mahsoub Abdel Sadek (1995, April 4-6). Teaching English in the primary schools: Is It A Must? 15th National Symposium on English language Teaching. Cairo: CDEIT, Ain Shams University, Vol. 11, pp. 95-114.
خامساً : رسائل الماجستير والدكتوراه
اسم عائلة المؤلف، الاسم الأول (سنة النشر). عنوان الرسالة بخط مائل. نوعها، اسم الجامعة، مكان النشر.
– السنافي، مبارك (2003). القرض العام وسيلة لتمويل الإنفاق العام : دراسة تطبيقية على دولة الكويت. رسالة ماجستير، جامعة الكويت.
– Yoshida, Y. (2001). Essays in urban transportation. Doctoral dissertation, Boston College.
سادساً : مواقع وصفحات الإنترنت
اسم عائلة المؤلف، الاسم الأول (سنة نشر الصفحة، الشهر اليوم). عنوان الصفحة بخط مائل. تم استرجاعها بتاريخ اليوم الشهر، السنة من عنوان الموقع
– الطويل، عزت (د.ت). سيكولوجية العدوان. تم استرجاعها بتاريخ 15 فبراير، 2003 من http://www.elazeyem.com/agression.htm
– Lynch, T. (1996). DS9 trials and tribble-ations review. Retrieved
October 8, 1997, from Psi Phi: Bradley’s Science Fiction Club Web site:http://www.bradley.edu/campusorg/psiphi/DS9/ep/503r.html
ملحوظات هامّــة :
– مع أي اسم مختصر يتبعه نقطة.
– في حال عدم معرفة الناشر نكتب د. ن. (n.p.) وهي تعني دون ناشر.
– في حال عدم معرفة تاريخ النشر نكتب د. ت. (n.d.) وهي تعني دون تاريخ.
– يمكن استبدال الكلمات المائلة Italic بكلمات غير مائلة ولكن يوضع خط تحتها.
– لعلك لاحظت فيما سبق الحالات التي تستخدم فيها الحروف الكبيرة Capital بالمراجع الأجنبية.
– لعلك لاحظت أيضاً أن المرجع يبدأ بالاسم الأخير للمؤلف، ثم الأسماء الأولى له، وفي حالة المراجع التي ليس لها مؤلف نبدأ بالعنوان متبوعاً بالتاريخ، ويمكن أيضاً البدء باسم المنظمة أو الهيئة التابع لها هذا المنشور.
– هذا الأسلوب في التوثيق خاص بالمراجع التي تذكر آخر الدراسة، أما في متن الدراسة فيكون التوثيق على النحو التالي:
إن كان المرجع لمؤلف واحد أو اثنين أو بدون مؤلفين:
اسم المؤلف الأخير كما هو مبين في قائمة المراجع، السنة، الصفحات.
– (Hodges, 2000, p. 179)
إن كان المرجع لثلاثة مؤلفين أو أربعة أو خمسة:
الاسم الأخير لجميع المؤلفين كما هو مبين في قائمة المراجع، السنة، الصفحات. ويكون ذلك في أول مرة فقط، أما بعد ذلك فيذكر الاسم الأخير من المؤلف الأول فقط متبوعاً بكلمة وآخرون.
– (Kirk, Spock, McCoy, & Scott, 1966, p. 1701)
– (Kirk et al., 1966, p. 1701)
* المصدر: دليلك في توثيق المراجع = جامعة أم القرى
خطة بحث الرسائل العلمية - صورةمصدر الصورة : http://whytoread.com/wp-content/uploads/

الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

تلخيص كتاب الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي 1


تلخيص كتاب الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي - الجزء الأول
نتيجة بحث الصور عن ريتشارد رورتي
كتاب [الحداثة وما بعد الحداثة في فلسفة ريتشارد رورتي ]
تأليف محمد جديدي



الباب الأول
البراغماتية الجديدة وتكوّن المشروع
الفلسفي لــ رورتي


الفصل الأول : الفلسفة البراغماتية الجديدة

أولاً : الفلسفة في أمريكا

يمكننا أن نستشف بعضا من تفاؤل رورتي بخصوص الفلسفة في أمريكا في موقف جورج سانتيانا الذي قدم صورة للفلسفة في أمريكا من خلال تقسيمه لها إلى مرحلتين بخصوص الفلسفة الأمريكية : -

أ. ما بين الحربين العالميتين وقد تميزت بظهور القيادات الملهمه والأخلاقية وهي الفترة البطولية التي إنطلقت فيها النظرية البراغماتية على يد الفيلسوف " ديوي " .
ب. تتناول المدة التالية للحرب العالمية الثانية والتي تميزت بالإحتراف المهني بينما تخلى الفلاسفة عن هذا الدور من تلقاء أنفسهم وبإختيارهم .

** في الفترة الأولى إتسمت الفلسفة من خلال إرتباطها بالجماهير بمشاكل الناس الإجتماعية والأخلاقية ولعب فيها الفلاسفة دوراً أساسياً في حياة البلاد بينما إنكمش هذا الدور في المرحلة الثانية وغدت الفلسفة إحترافية .

هل هناك فلسفة أمريكية ؟!

1. الرأي الأول يذهب إلى أن الفلسفة الأمريكية لها جذور مما يوحي بأصالتها من القرن 17 إلى القرن 19 ويستشهد أصحاب هذا الرأي بــ جوناثان إدواردز بإعتباره أول فيلسوف أمريكي كبير .
2. الرأي الثاني ينكر قليلاً أو كثيراً أصالة الفلسفة الأمريكية إلا إذا إستثنينا الفلسفة البراغماتية - بل يُرى فيها فلسفة مقتبسة من أساسها ومتأخرة عن عصرها منهجياً .

** يقول رورتي عن البراغماتية " هي النظرية التي تحاول عملاً أن تعزز من حرية الإنسان في عالم مأساوي غير مأمون عن طريق الفنون العقلية والأجتماعية وقد تكون المحاولة قضية خاسرة ولكن لا أعرف أفضل منها ... "

ثانيا : فلسفة العالم الجديد

1- بين المحلي والوافد :

بقد كان للهجرة دوراً حاسماً في نشأة الولايات المتحدة الأمريكية دولة قوية حرة ومتقدمة , ذلك أن الذين هاجروا إليها كانوا على وعي مما ينتظرهم إن لم يدافعوا عن حريتهم بوجه خاص . إذاً هذه الهدرات المتواصلة منذ القرن 15 إلى اليوم هي ما شكل فسيفساء المجتمع الأمريكي المختلفة أعراقه وأديانه ولغاته وثقافاته لكن كل هذا لم يمنع من التمتع بوحدة سياسية تحت راية نظام جمهوري ديمقراطي فيدرالي سياسياً , ومن إنتهاج رأسمالياً في الإقتصاد من مبادئه حرية المبادرة وتشجيع الملكية الخاصة وتنظيم السوق ليبراليا .

** الأسباب التي حفزت المهاجرين للقدوم إلى أمريكا وترك أراضيهم :-
1. الفرار من الإضطهاد الديني التي مارسته سلطة الكنيسة يتضيقها على حرية المعتقد الديني , الفكري والعملي .
2. الفرار من الإضطهاد السياسي الذي فرضته الملكيات والارستقراطيات على السكان بفعل النظام الإقطاعي المنتهج إقتصادياً وإجتماعياً .
3. الفرار من الفقر والظلم الأجتماعي من خلال الطموح الذي دفعهم إلى البحث عن الثروة والحرية والسعادة .

** توجت ثورة الأمريكين ضد المستعمر البريطاني بالتأكيد على ثلاث أمور هامة على مستقبل الدولة الناشئة وهي :-
1. على المستوى السياسي تم تحرير وثيقة الإستقلال ووضع الدستور الذي ينظم الحياة السياسية .
2. على المستوى الديني صدر قانون فرجينيا للحرية الدينية ونص على عدم سن قانون بشأن إعتناق ديانة ما أو منع إعتناقها .
3. على المستوى الإجتماعي أنشأت جامعة فرجينيا 1796 مما مهد لنشر التعليم بهدف تثقيف وتنوير الشعب وهو الرهان الذي أثمر لاحقاً .

إن هذه الظروف والعوامل تفاعلت مع جهود وطموحات الرواد الآوائل فأثمرت في نهاية المطاف دولة قوية على جميع الأصعده بدءاً من التصنيع العسكري للأسلحة المتطورة والمتفوقة تكنولوجيا وغزو الفضاء وحرب النجوم إلى صناعة برمجيات الكمبيوتر والكتب والأفلام ونشر ثقافة "الأمركة عبر العالم" .

2- لا ثقافة دون فلسفة

إن الفلسفة الأمريكية كغيرها من الفلسفات مرت بمراحل بدأت في نشأتها بالتلقي والإستقبال وإنتقلت إلى المضمون الذي يعطيها إستقلالاً كلياً أو جزئياً ثم إنتقلت إلى مرحلة التطور التي تجلت فيها بصمات ومعالم شخصيتها . علاوة على ذلك فأمريكا الامبراطورية العظمى شأنها شأن كل الامبراطوريات عبر التاريخ ترى أن إكتمال قوتها قوتها وعظمتها لن يكتمل إلا بما تحققه من إنجازات في الفلسفة .

** الحقيقة , أن حظ الأمريكيين من الجانب النظري ضعيف وهم إلى جانب العمل أميل على حد قول هربرت شنيدر في كتابه تاريخ الفلسفة الأمريكية ولعل هذا ما يفسر ظهور البراغماتية في البيئة الأمريكية دون غيرها من البيئات .

ثالثاً : الفلسفة البراغماتية

1. الفلسفة الكلاسيكية

غالبا ما توصف البراغماتية بأنها الفلسفة الأمريكية بإمتياز من حيث أنها نشأت وتطورت في أمريكا فالظروف والعوامل التي إجتمعت وتضافرت لتجعل بروز الراغماتية أمريكية المولد . ويقول رورتي معلقاً على موقف ديوي " أعتقد بأن أقصى ما يمكن أن نفعله بربط البراغماتية بأمريكا هب القول بأن هذا البلد وفلاسفته الأكير تميزاً يقترحون علينا بأننا قادرين في السياسة أن نضع الأمل بدل المعرفة وهو الأمر الذي سعى الفلاسفة إلى بلوغه " .

يدعونا رورتي إلى ضرورة التمييز بين البراغماتيين بين تيار كلاسيكي مثل بيرس , جيمس وديوي , ومن بين تيار جديد أبرز شخصياته كواين , غودمان إضافة إلى رورتي نفسه , أن التميز الذي يدعونا إليه رورتي معياره هو المنعطف اللغوي الذي إتجه إليه الفلاسفة في الوقت الذي هجروا فيه موضوع الخبرة وتبنوا اللغة موضوعاً أساسياً .

2- البراغماتية الجديدة

هي التسمية التي تطلق على تيار فلسفي برز في الظهور مع بداية الستينيات في الولايات المتحدة الأمريكية . لكن موقف الفلاسفة المعاصرون أو علة الأقل بعضاً منهم يعتبر أن البراغماتية حركة فكرية متقادمة ويتحاشون إعتبارها فلسفة أو أنها ليست من الفلسفة الحقيقة وهي في ظنهم بحسب رورتي حركة عرفت نهايتها في بداية القرن العشرين في ظل أجواء محلية ويتوجب من الآن وصاعداً النظر إليها على أنها متهافته ومنتهية , لكن الواقع أنها أعيدت إلى الحياة من جديد من نفس الجذور ولكن بكساء مغاير في ظرف مائة سنة على أول ظهور لها مع تشارلز بيرس , أن البراغماتية هي الفلسفة التي وجد فيها رورتي الصورة الحقيقة للثقافة الأمريكية . إن البراغماتية في صيغتها الجديدة لم تكن بنفس مواصفات البراغماتية الكلاسيكية وهي تختلف عنها أو على الأصح تتميز عنها بإدخال بعض التعديلات المنهجية والفكرية التي برزت ما بين فترة البراغماتية في نهاية القرن الـ 19 مع بيرس وهي ما يمكن أن نسميه البراغماتية الأولى أو الكلاسيكية أما فترة إحياء البراغماتية بدأت من نهاية سبعينيات القرن العشرين وهو ما يمكن أن نصطلح عليه بالبراغماتية الثانية أو الجديدة .

رابعاً : المشروع الفلسفي لــ رورتي :

بدأ يلوح في أفق الفلسفة المعاصرة مشروع وقعه رورتي حينما أتم الفيلسوف أطروحته عن الامكانية أو القوة عام 1956 , وحيث تبين أن مسعاه الرئيسي هو التأسيس لمحادثه بين الفلاسفة المعاصرين والتراث الكبير للفلسفة الغربية . ولقد تعزز هذا المشروع الرورتي أكثر بإصدار الفيلسوف لكتابه الأساسي عام 1979 وعنوانه " الفلسفة ومرآة الطبيعة" . فمع رورتي بالخصوص مع مؤلفه "الفلسفة ومرآة الطبيعة" تتحول الفلسفة من ميدان نظرية المعرفة لتصبح فعلاً منشئاً أو مشيداً غرضه إعادة بناء الفلسفة . فهو يشير إلى أن مشروعه ينطوي على مهارة حرفي أو مرقّع يقوم بجمع قطع أو أجزاء من دريدا ووضعها إلى جانب ديوي , وإقتطاع عناصر من ديفيدسون وتقريبها من فتغنشتاين وأمور من هذا القبيل أكثر من أن يكون عملاً أصيلاً . إلا أننا نرى في موقف رورتي تقارباً كبيراً في مشروعه مع موقف ديوي الذي سعى فيه إلى التجديد في الفلسفة متخذا من القاموس البراغماتي الذي يعج بمفاهيم : الخبرة والبحث , التفاعل الكائن مع المحيط , الديمقراطية والتربية , الفعل والنتيجة , جدلية الغاية والوسيلة , بوصفها أدوات منهجية ومعرفية لحقيق مشروعه .

1- مسار البراغماتي

استتباعاً لنفس الخط عند ديوي يتجه رورتي صوب ميدان الإبستيمولوجيا ( الميدان ) الذي كان ديوي قد خصه بجملة من الانتقادات لا سيما في نقد المعاينة أو المتفرج في المعرفة حتى يؤكد على وجهة نظره الداعية إلى الممارسة والفعل والتأكيد على البعد البراغماتي في مضمار المعرفة وإبراز مكمن التوحيد بين النظر والعمل ونبذ كل فصل منهما .
** إستراتيجية رورتي الفلسفية تستند إلى ثلاث ركائز :-
أ. أساليب وآليات التدليل حتى وإن أنكر على نفسه اللجوء إلى مثل هذا النوع من الإستدلال العقلي والتفكير النظري المجرد لانه يمقته ويرى فيه تكريساً للفكر الميتافيزيقي اللاهوتي الذي دعا إلى نبذه .
ب. الواقع التاريخي الذي يستلهم من وقائعه وأحداثه ما يكشف له عن معطيات يوظفها توظيفاً فلسفياً في دعم آرائه .
ج. النص الفلسفي وغيرها من نصوص أشكال التعبير الإنساني الأخرى , يستثمرها رورتي ويوظفها لصالح مشروعه الفلسفي سواء أكان هذا النص براغماتياً أو تفكيكياً أو نص فلسفي آخر في منهجه دون تمييز .

** إن الطابع العام لفلسفة رورتي والذي غالبا ما تلصق به البراغماتيه الجديدة يتسم برفضه لعناصر ثلاثة مما درج عليه التقليد والممارسة الفلسفيين :-
1. نظرية الحقيقة كتطابق أو متطابقة .
2. مفهوم التمثيل المفضل .
3. فكرة ذات متعالية .

- إن هذه الفلسفة تتجه نحو مشروع للسياسة المدنية أو ديمقراطية أجتماعية بناء على تحليل تاريخي للمشكلات الفلسفية المثاره .

2- الفيلسوف الجديد

لا تزال ردود الفعل والانتقادات الموجهه لرورتي تتوالى وتظهر من فترة إلى أخرى فأراء الفيلسوف تثير جدلا واسعا تتباين فيه المواقف . يصف رورتي وضعه هذا ويقول " إذا كان من الضروري إستخلاص فكرة ما , بأن الوضع الفكري الأفضل هو ذاك ما يقع في مسافة متساوية بين اليمين واليسار , فأنا هو بالتأكيد الرجل المناسب لهذه الوضعية " .

الفصل الثاني : ريتشارد رورتي والفلسفة

أولا : ريتشارد رورتي فيلسوفاً

لا يختلف الفلاسفة والدارسون حول أهمية وقيمة شخصية رورتي الفلسفية حتى وإن إختلفوا معه في تصوراته وأفكاره .
أ. مسار فلسفي : عرف رورتي بإتجاهه البراغماتي بعد أن إهتم في باديء الأمر بالفلسفة التحليلة التي عدل عنها ليحمل لواء البراغماتية الجديدة .
ب. الأثر البراغماتي : ساهم إذاك رورتي بقدر كبير في إحياء البراغماتية من خلال أعماله العديدة التي غالبا ما تشير إلى الجذر والعنصر والمبدأ البراغماتي في كتاباته .

** يعرب روتي في أكثر من موضع أنه تابع لخط ديوي الفلسفي أي البراغماتي الوسيلي الذي عرف به الفيلسوف , حتى وإن أنكر عليه البعض عدم التقيد بتوجهات ديوي وأفكاره .

ثانيا : البدايات الفلسفية

تبدأ حياة رورتي في يوم 4 أكتوبر 1931 بمدينة نيويورك حيث تربى وسط أسرة تؤمن بمباديء العدل والمساواة بين الجميع وكانت تشع من أرجاء بيت آل رورتي الأفكار الأشتراكية التي كان والده يناضل في سبيلها فلقد كان والده عضو في الحزب الشيوعي , ومثلما كانت طموحات رورتي تتمثل في قراءة الكتب التي كانت تملأ خزانة الأسرة فقد كان طموحه أن يصبح فيلسوفا حتى قبل أن يتخصص في الفلسفة .
المرحلة الأولى : الطموح ,, في سن الخامسة عشر تحول إلى قراءة أفلاطون وأرسطو وهجر الدين إلى الفلسفة , ولقد رأى رورتي أن فكرة سقراط " توحيد الفضيلة بالمعرفة" يمكن أن تتجسد في حلمه بأن يصبح فيلسوفاً , هذا الحلم بدأ يراوده وهو في صباه واستمر ينمو في التدريج وبالموازاة مع قراءاته الفلسفية المتنوعة والمتعددة لعدد هام من كلاسيكيات النصوص الفلسفية وأيضا بفعل إحتكاكه ببعض المثقفين والمفكرين وبعض الأساتذة في المدارس التي ارتادها . كان رورتي يجتهد فيما بين 15 والـ 20 من عمره في تحقيق حلمه وقد صادف أن استشار سيدني هوك الذي كان صديقاً للعائلة فقال له الأخير حسنا تريد أن تصبح فيلسوفاً إذن أكتب وأنشر مبكراً وإعمل ذلك أغلب الأحيان . يبدو أن نصيحة هوك وجدت أذن صاغية من لدن رورتي ومن ثم عرفت طريقها إلى التطبيق , بدأت في جامعة شيكاغو وحصل عام 1949 على بكالوريوس في الفنون , وفي عام 1952 تقدم بأطروحته لنيل الماستر حول فلسفة وايتهيد بعنوان " إستخدام وايتهيد لمفهوم الأمكانية أو القوة " , وفي عام 1956 تقدم مجددا بأطروحته لنيل شهادة الدكتوراه في الفلسفة بعنوان " مفهوم الأمكانية أو القوة " . يتجلى من خلال عنوان الأطروحتين أن رورتي بحث أشكالية الأمكانية أو القوة متدرجاً فيها من الخاص إلى العام .

المرحلة الثانية : التطور , في كتاب الفلسفة ومرآة الطبيعة يقول رورتي " منذ بدء دراستي استرعى إنتباهي الكيفية التي بها تظهر وتختفي المشكلات الفلسفية أو كيف تتغير بحسب المسلمات الجديدة أو المفردات الجديدة بفضل ريتشارد ماكيون وروبيرت برومبو , تعلمت أن أتصور تاريخ الفلسفة ليس كسلسة من الحلول نظيره لنفس المشكلات , ولكن كجملة من المشكلات جد متميزة . وبفضل رودولف كارناب وكارل همبل تعلمت كيف يمكن معالجة القضايا الزائفة , وإماطة اللثام عنها وكشفها كما هي بنقل وتحويلها إلى لغة صورية . بفضل تشارلز هارتشورن وبول وايس , تعلمت كيفية القيام بهذا الكشف بواسطة الترجمة إلى عبارات وايتهايديه أو هيغيليه . لقد كنت محظوظاً جداً أن يكون هؤلاء الرجال أساتذة لي .. " .

المرحلة الثالثة : الإكتمال , لقد كانت ثمار هذه النماذج والتنوع المنهجي بارزه في مؤلف رورتي "الفلسفة ومرآة الطبيعة الذي ظهر سنة 1979 . شكلت في مجملها الفلسفة الرورتية بسؤالاتها اللامتناهيه وبتخطيها لحدود التقسيمات الثقافية وبإندماجها الواسع في واقع الحياة العصرية وملاحقاتها لمعضلات الحداثة الغربية في جوانبها العقلانية , الأنسانية , الكونية , التقدمية , والتاريخية وكذا مساءلتها لخوم ما بعد الحداثة في الأدب والتفكيك وحركات الأختلاف في المجتمع , الأدب والفن , السياسة والفكر .
** تنقسم مسيرة فكر رورتي وأعماله إلى :
1. الفترة الأولى : تكمن في نقد الفلسفة الغربية بشكل عام والأنجلو-ساكسونية بشكل خاص .
2. الفترة الثانية : تتضح في البناء أو التشييد التدريجي للبراغماتية ما بعد الحداثة ( البراغماتية الجديدة ) .

ثالثا : صلات فلسفية

1- رورتي والتروتسكية

رورتي عاش طفولته ترتسكياً بضغط وإن كان غير مباشر أرغم فيه رورتي الصغير على الأطلاع على التروتسكية وهو ما حمله جوابه عن سؤال إن كان قد إختار التروتسكية بمحض إرادته أم هو مفروض عليه من قبل والديه فكان جوابه أن التروتسكية كانت بمثابة عقيدة العائلة ومثلما ينشأ الأنسان نظامياً , صحياُ , أو يهودياً فكانت نشأته هو تروتسكية , وكانت الحياة تمضي وقناعة رورتي تكبر بأن الرأسمالية مصدر الشرور فقد كان يكبر وقناعته تزداد بأن جميع الناس الأخيار إن لم يوجد تروتسكيين ينبغي أن يكونوا على الأقل إشتراكيين .

2- رورتي والفلسفة التحليلية

بدايات كتاباته كانت ضمن إطار ومناخ الفلسفة التحليلية التي تأثر بها في بداية منحاه الفلسفي يقول رورتي " إن تاريخ الفلسفة يؤكد على التمرد ضد ممارسات الفلاسفة السابقين وذلك في محاولاتهم لتحويل الفلسفى إلى علم - أي إلى فرع أو أفق معرفي يعترف فيه عالمياً بقرار الإجراءات الصالحة لاختبار الدعاوي الفلسفية , فمحاولات الفلاسفة التحليليين إتسمت بكونها تجارب فلسفية جديدة إتخذت لنفسها مجالاً محدداً هو اللغة وأرادت تطبيق منهج التحليل اللغوي أو المنطقي للغة .

3- علاقة رورتي بــ ديوي

لم تكن علاقة رورتي ب ديوي لتعرف ذلك الأرتباط الذي حدث بين الفيلسوفين إلا في مرحلة لاحقة . ومع التحول الفكري الذي وجهه رورتي صوب ديوي وإكتشافه من جديد وإعادة قراءته لتحيينه ومن ثم تحيين الفلسفة البراغماتية . يقول رورتي عن كيفية بناءه لديوي طبقاً لقراءته " أن أهمية بناء ديوي كالذي أسعى إلى تشكيله تكمن في فصل ما أعتقد أنه حي من الذي يكون ميتاً من فكره وكذا في إيضاح الاختلافات بين حالتي الساحة الفلسفية ما بين 1955 والآن " . ابتداءاً من سنة 1972 ينتقل ديوي إلى مركز الصدارة في كتابات رورتي وفي مؤلفه الأساسي " الفلسفة ومرآة الطبيعة " قاد هذا الأخير حملة قوية لإحياء وبعث صورة وأثر ديوي في الفلسفة المعاصرة .

4- رورتي وهيدغر

تعود الأهمية الكبيرة التي يعطيها رورتي إلى مارتن هيدغر إلى دوره الرئيسي في " تخليصنا من التأويل التقني للفكر " الذي تمتد جذوره في تاريخ الفلسفة الغربية إلى الأغريق . في الواقع أن ما يحبذه رورتي في فلسفة هيدغر لم يشفع له عند رورتي فيفضل عليه ديوي .

5- رورتي وفتغنشتاين

يرى رورتي أن فتغنشتاين قد حررنا من المعاني الكانطية من مثل "في الذهن" , "من انتاج العقل" , "الشيء في ذاته" , "الحكم القبلي" , وجميع الثنائيات التي لا تعرفنا في أحسن الأحوال إلا بجانب السطح والظواهر ونترك بواطن الأشياء وأعماقها مجهولة وتحيلنا إلى مواقف لا أدرية . من خلال مجهود فتغشتاين يعتقد رورتي أنه " يتوجب علينا ن نعدل عن الحلم القديم , المتقاسم بين أفلاطون ورايشنباخ الذي أيقظنا منه فتغنشتاين ذلك الحلم الذي يجعل من الفلسفة , المعرفة , ماهي المعرفة العلمية , نتيجة البحث حول طبيعة كل بحث ممكن " .

الفصل الثالث : دلالات مصطلحي الحداثة وما بعد الحداثة

أولاً : الدلالة اللغوية للحداثة

1- في اللغة العربية

أن مصدر الحداثة فعل حَدَثَ أي حدث االشيء يحدُثُ حدُوثاً وحَدلثَةً , وأحدثَهُ هو , فهو مُحدَثُ وحَديِثُ وكذلك استحدَثهُ . من هذا المصدر أي فعل حدَّث - تشتق ألفاظ داله على معاني اللسان في الحديث , فالحديث من حدّث وتحدّث حديثاً أي تكلم كلاما ولغة ةالأصل في اللغة الكلام كما يقال . وكذلك يشتق لفظ الحدوث في الوجود فالحدوث من حدث يحدث حدوثاً , أي وجد وأصبح حدثاً بعد أن لم يكن . نجد أيضا لفظاً يمكن إشتقاقه من مصدر الفعل حدث يدل على معنى الزمان فتصل بالمعنى الوجودي , ذلك أن حدوث الشيء يحمل بعداً زمانياً وحدوثه يكون في آن وفي وقت معين سواء كان متوقعاً أو مفاجئاً ومنه يكون منشؤه وميلاده في اللحظة التي يحدث فيها . إذن من المصدر حَدَثَ يشتق مصطلح الحداثة بدلالتين من الناحية اللغوية حَدَثَ حُدُثاً وحَدًاثة : نقيض قَدُمَ , فالناحية الدلالية اللغوية الأولى هي التقابل بين القدم والحداثة . والحديث : الجديد من الأاشياء يفيد معنى مزدوج فقد يفيد نقص الخبرة وعدم التمرس كما أنه يفيد شيئاَ جديداً لم تطله أيادي الآخرين أي بما يفيد الأثارة والأشتهاء .

** من أبرز الدلالات اللغوية في لفظة الحداثة ما يشير إلى الحدوث المرادف للوجود والخروج من العدم وهو نقيض القدم , والحدوث في عرف اللغويين ثلاثة أنواع :-
1. الحدوث الذاتي : كون الشيء مفتقداً في وجوده إلى الغير , وهو ما يعرف عند الفلاسفة بنظرية الجوهر , وهو ما يقوم بذاته ولا يحتاج إلى غيره .
2. الحدوث الزماني : كون الشيء مسبوقاً بالعدم سبقاً زمانياً وهو ما يعرف عند بعض الفلاسفة بنظرية الخلق أي الخلق من العدم .
3. الحدوث الأضافي : كون الشيء قد مضى من وجوده أقل مما مضى من وجود شيء آخر وهو ما يقابل نظرية التطور في بعض المذاهب الفلسفية القائلة بالتفسير عن طريق الطفرة والأنتخاب .

** لفظ الحداثة من الناحية اللغوية يشير إلى مدلولات مختلفة يمكننا حصر مضامينها في ثلاث خانات رئيسية من خلال جذر الكلمة حدث :-
1. مضمون الحداثة / الزمن : نقيض القدم , الابتداء , والإبداء وأول الظهور الذي يشمل الجدّة .
2. مضمون الحداثة / الخطاب : وهو يشير إليه لفظات الحديث , المحادثة , التحدث , الأحدوثة .
3. مضمون الحداثة / الوجود : هو مضمون تدل عليه كلمات عدّة كالحدوث , الحدث , الحادث , الحادثة , الحوادث , والأحداث .

2- في اللغات الأجنبية

يمكننا القول أن مصطلح الحداثة مجسداً في بداية إستعماله في صفة الحديث - لا سيما على المستوى اللغوي المعجمي والمفرداتي في اللغة الفرنسية في القرون 17 , 18 , 19 قد إنحصر في دلالتين هما :-
أ. البعد الكرونولوجي / الزماني : الذي يتعين في التحقيب من خلال وصف العصور والفترات التاريخية .
ب. البعد الأكسيولوجي / القيمي : الذي تتحد معه خصائص الأشياء المنتسبة من خلال البعد الزمني فتغدوا أحياناً إن كانت حديثة , ذات قيمة إيجابية أو العكس .

- إذا شئنا تلخيص المضمون المعرفي لما تدل لفظة حداثة الغربية التي مهما إختلفت لغاتها فإنها تعود إلى أصل واحد هو الأصل اللاتيني .

** إذن يمكن أن نحصر دلالات لفظة حداثة من جانبها اللغوي في اللغات الغربية وفق مما يأتي :-
1. الدلالة الزمانية التي تحمل بعداً كرونولوجي يصنف العصور والحقب التاريخية .
2. الدلالة التاريخية بحيث يغدو الفعل الحداثي نوعاً من الإسقاط على التاريخ .
3. الدلالة الإكسيولوجية التي تتضمن بعداً قيمياً من خلالها تكون الأحكام على الأشياء .
4. الدلالة الديناميكية التي تتجسد في الأشياء الجديدة وهذه الدلاله تحيلنا في غالب الأحيان إلى ترادف الحديث مع الجديد والشيء الذي لم يكن موجوداً من قبل .
5. الدلالة البنائية التي تشير إلى الشكل والهيأة من خلال الجذر اللاتيني modo وهو ما يحيل إلى أن الحداثة ليست مجرد تحقيب زماني بقدر ما هي بنية بأكملها .
6. الدلالة الأنسانية وتبرز من خلال جانبين :-
أ. كون الحداثة فعل بشري يتسم بإبراز الاكتسابات الجديدة والطرق والوسائل التي يسبق إستعمالها .
ب. كون صفة الحداثة حكم إنساني فيه من دلالات الاهتمام والرغبة ما يجعل هذه الصفة معياراً للتمدن والتحضر .

3- مقارنة بين دلالات مصطلح الحداثة في اللغات العربية والأجنبية :-
1. توافق مدلول اللغات على ترادف الحديث والجديد فالأشياء الحديثة هي منظور لغوي اشتقاقي ما نصفه بالجديد .
2. يتبع التوافق الول توافق ثاني يجعل من الجديد مدلاولاً تاريخياً ويصبح التقابل بين القديم والحديث هو ما يعطي بالأساس معنى زمانياً للحداثة .
3. توافق آخر ناتج عما سبقه يتحدد في كون الحداثة صفة للحاضر الذي نعيشه أو للأزمنة القريبة منا .

ثانيا : الدلالة الإصطلاحية للحداثة

1- مصطلح الحداثة

الحديث صفة للحداثة فالحديث نقيض القديم ويرادفه الجديد ويطلق على الصفات التي تتضمن معنى المدح أو الذم , ضمن هذا الطرح لا نعثر على ما يختلف فيه تعريف الحداثة في المدلول عما سبق التعرف عليه في المدلول اللغوي . الموقف الحداثي السليم يتطلب نظرة تقويمية يوازن فيها الأنسان بين ناحيتي الإيجاب والسلب في الحداثة فالحديث ليس كله خير والقديم ليس كله شر , وخير وسيلة للجمع بين محاسن القديم والحديث أن يتصف أصحاب الحديث بالاصالة , والعراقة , والقوة والأبتكار وأن يتحلى أصحاب القديم عن كل ما لا يوافق روح العصر من التقاليد البالية والأساليب الجامدة .

2- الحداثة فلسفياً

** المواقف الفلسفية تضعنا أمام تساؤل ذو وجه مزدوج :-
أ. الوجه الأول فيه نظري "يبحث عن المعنى الأساسي للحداثة والتحديث من خلال بنيته ونمط عمله ومستتبعاته الفكرية".
ب. الوجه الثاني أقرب ما يكون إلى البعد الوجودي الذي يكون فيه التساؤل مصيرياً ويغدو معه اتخاذ موقف معين أمراً يكاد يكون حتمياً إما مع أو ضد الحداثة أو قد يكون موقفاً مبنياً على التوفيق بينهما ضمن نظرة نقدية توفيقية .

** تجد الحداثه منحصرة بين بعدين يشكلان ماهية الحداثة يعتبر البعد التاريخي ذو دلالة حاسمة في تحديد مسارات البشرية كما يعتبر البعد المعياري أساسياً في فهم تصنيف الحداثة تاريخياً .

3- تقييم الحداثة

يذهب هابرماس إلى إعتبار الحداثة " وعي عصر ما يحدد نفسه بعلاقاته بماضي العصور القديمة ويفهم ذاته كنتيجة انتقال من القديم إلى الحديث " , أكثر من اعتبارها مسألة تحقيب زمني تصبح معه الحداثة وصف للتطور .
فالحداثة هي أقرب في المعنى إلى ما يصفها به آلان تورين من أنها أكثر من كونها " مجرد تغيير أو تتابع أحداث : إنها إنتشار لمنتجات النشاط العقلي العملية , التكنولوجية , الأدارية . فهي تتضمن عملية التغيير المتنامي لعديد من بين قطاعات الحياة الأجتماعية : السياسية والأقتصادية والحياة العائلية والدين والفن على وجه الخصوص , لأن العقلانية الأداتية تمارس عملها في داخل النشاط نفسه " , هي إذن ظاهرة متعددة المعالم .

ثالثا : ما بعد الحداثة

ونحن نتساءل عن مفهوم ما بعد الحداثة . نتأمل موقف جان بودرييار عنها الذي يذهب إلى القول " هي حالة من فقدان المركزية , ومن التشعب , نساق فيها من مكان إلى مكان عبر سلسلة متصلة من السطوح العاكسة كالمرايا المتقابلة تجذبنا صرخة الدال المجنون ".

** وقد أثار إستخدام مصطلح ما بعد الحديث أو ما بعد الحداثي جملة من المفاهيم يمكن إجمالها في :-
1. إشارة إلى مفاهيم عديدة لمعنى الحداثة في الفنون والعمارة ولمعنى التحديث الذي أصبح سمة "المجتمعات الحديثة".
2. إشارة إلى مفاهيم عديدة عن الحقبة الحديثة الممتدة من عصر النهضة إلى العصر الحاضر .
3. إشارة إلى تعريف (modernism) على أنها محصلة "الحداثة" و "العصري" و"التحديث" , أي التأليف بين مفاهيم ومدلولات الحاضر وفعل الأصلاح والتجديد والتحولات الحاصلة على أكثر من صعيد .

** فأنه لا يتأتى لنا إدراك معنى ومضمون ما بعد الحداثة من دون الرجوع للحداثة وتفكيك أساطيرها .

1- مدلولات الــ " مابعد "

الجزء الاخر المكمل لهذا الفهم هو الــ"مابعد" (بوصفها إشارة إلى الأنفصال عن مكونات الحديث أو إستمراره أو بوصفها مزيجاً من الأثنين أو جدلية للانفصال والأتصال ).
ومثل ما يقول هابرماس بشأن الحركات الفلسفية فإن ( "ما بعد" , ليست فقط إنذارات انتهازية تشتم ريح العصر , بل يجب أخذها بجدية والنظر إليها على أنها مقياس زلزال عقل الزمن ).
يذهب إمبرتو إيكو إلى القول بأن ما بعد الحداثة "ليست تياراً حتى يتسنى تحديده زمنياً بل هي باب مثالي أو أسلوب عمل نموذجي ويمكن القول أن كل حقبة لها ما بعد الحداثة الخاصة بها بنفس الصورة التي يكون لكل حقبة نزعة للتأنق خاصة بها", من خلال هذا يكون معنى "مابعد" منحصراً في إحدى الدلالتين الزمان والأسلوب .

2- مفهوم ما بعد الحداثة

نكتشف في كل ما ذكر أن وضع مفهوم ما بعد الحداثة ليس بأحسن حال من مفهوم الحداثة من ناحيتي الضبط والوضوح . من هذا المنظور تكون المفاهيم والمصطاحات خاضعة لقاعدة التطور والتغيير والأختلاف وهو الأمر الذي ينطبق على مفهوم ما بعد الحداثة .
وفي الفلسفة فإن فكرة ما بعد الحداثة نشأت من نقد العقل والذي أعتبر أول رد فعل إزاء تحولات الأوضاع الأجتماعية .
فمن السخف إذن وصف ما بعد الحداثة بأنها "نزعة غير عقلانية أو تيار فكري مضاد للعقل , على ما رأى إليها هابرماس . ذلك أن نقد العقلانية كما مارسه مفكروا ما بعد الحداثة , لا يعني نفي العقل بقدر ما يعني توسيع إمكانياته بالحفر في المناطق المستبعدة أو المرذولة من النشاط العقلي , أو بإستنباط صعد جديدة لعمل الفكر واستنبات المفاهيم".

3- تاريخية ما بعد الحداثة

يمكن أن نحدد لحظات حاسمة بالنسبة لمفهوم ما بعد الحداثة تتمثل في المحطات الآتية :-
أولاً : في الفترة الممتدة قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها إستخدم المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي , مصطلح ما بعد الحديث قاصداً به الحقبة الأخيرة من التاريخ الغربي أي حقبة تتسم بالعقلانية والقلق وفقدان الأمل .
ثانياً : في إستخدام المصطلح في ميادين ليست فلسفية من طرف الناقد تشارلز جينكس حيث أخذ المصطلح بدءاً من 1975. دلالته القريبه مما هو متداول اليوم "مزاوجة الشفرات كما يوحي بذلك اللفظ ذاته post-modernism" الذي يعني إستمرار الحداثة .
ثالثاً : في إستعمال المصطلح فلسفيا وقد كا ذلك متأخراً من طرف جان فرانسوا ليوطار عندما أكد في كتابه "الوضع ما بعد الحداثي" , الصادر سنة 1979 , على ضرورة أن يتأقلم الأنسان في العيش من دون "ميتاروايات" وهي بمثابة أساطير أو مذاهب تاريخية في التقدم والتي غزت المجتمعات الحديثة حتى الفترة المعاصرة .

** يعتبر رورتي أن منشأ ما بعد الحداثة يمكن في الوعي التام بما قدمته البراغماتية من تصورات ترفض الاقرار بعدم وجود وجهة نظر يمكنها الأفصاح عن الحقيقة المطلقة للوقائع أو تتيح لنا تحديد ماهية الأشياء . وتبعاً لهذا يرى رورتي أن النتائج المترتبة على هذا الاقرار تتصل بميادين المعرفة , الأخلاق والسياسة وهي :-
1. إتفاق الكائنات البشرية فيما بينها أفضل من معرفة الحقيقي .
2. نقد المعرفة العلمية بوصفها عقلاً أسمى ومصدر للسلطة .
3. أولوية الأرادة والحرية الانسانية على المعرفة .
4. أولوية الديمقراطية على الكفاءة الذهنية وأولوية المحادثة على منطوقات المعرفة .
5. رفض جزئي للعقلانية الموروثة عن الأنوار والأزمنة الحديثة .
6. الدعوه إلى التخلي عن كل محاولة للتبرير والأثبات على أسس من العقل .
7. إعتبار الفلسفة عنصراً من عناصر الثقافة البشرية دون إلباسها ثوب القداسة .
8. إعتبار الفضاعة والقسوة أقصى ما يمكن تجنبه بالنسبة للمجتمعات الديمقراطية الليبرالية .
9. ينبغي النظر إلى الفلسفة بوصفها نوع من المحادثة الأنسانية ونوع من الكتابة الأدبية والدعوة إلى محو الحدود التي وضعت بين الفلسفة , الأدب والعلوم الأنسانية .
10. ضرورة إنفتاح الفكر الفلسفي على تجارب الأبداع الأدبي الكفيلة بإطلاعنا على صور الفضاعة .
11. التفاؤل بإمكانية تحسين ظروف الكائن البشري من خلال الطموح والأمل الذي جعله رورتي أولياً على كل معرفة .

** ما بعد الحداثة هي أقرب ما تكون إلى حركة فكرية تتعدد بداخلها الآراء وتتفرع إلى إتجاهات تتباين في المصدر والتوجه ولكنها قد تشترك في خصائص بعينها منها :-
أ. التمرد على الحداثة وقد تجلى هذا التمرد في الحركات الفنية المعاصرة وبوجه خاص منها فن العمارة .
ب. إنبثاق تيار فلسفي عرف بإسم ما بعد البنيوية مثله بالخصوص ميشال فوكو , التي تتشابه إلى حد كبير في بعض ملامحها مع ما بعد الحداثة .
ج. بروز نظرية المجتمع ما بعد الصناعي وهي نظرية تشير إلى بروز مفهوم المجتمع الحديث بوصفه مجتمعاً ما بعد صناعي وقد يشار إليه بمجتمع المعرفة أو المعلومات .

4- تجاوز الحداثة أو المرور إلى ما بعد الحداثة

يُبرز موقف ليوطار من فشل الحداثة , أن الأحداث التي طبعت النصف الأول من القرن 20 تعتبر بمثابة رموز ودلالات على إنهيار المشروع الحداثي . يقدم ليوطار تصوره المبسط لما بعد الحداثة بوصفها "أنكاراً أو شكاً إزاء الروايات الكبرى فهذا الأنكار إن كان دون شك أثراً لتقدم العلوم غير أن هذا التقدم بدوره يفترضه" , لقد إعتبر ليوطار أن "الروايات الكبرى" فقدت مصداقيتها وهي أشبه بالاساطير , الهدف منها تبرير المؤسسات والممارسات الأجتماعية والسياسية , التشريعات , الأخلاق وطرق التفكير .

5- مقارنة الحداثة وما بعد الحداثة

يجملها مقال إيهاب حسن , وهي عبارة عن اطروحات تتسم بخاصيتي التجديد والتفكيك وهذه الأفكار هي :-
1. تيار ما بعد الحداثة يعتمد على تجاوز الصيغة الأنسانية للحياة الأرضية بصورة عنيفة يكون في التجاذب بين قوى الرعب والمذاهب الشمولية , التفتت والتوحد , الفقر والسلطة .
2. تيار ما بعد الحداثة نابع من اتساع للوعي من خلال منجزات التكنولوجيا والتي إستحوذت على دوائر المعرفة في القرن العشرين أو هي حجر الأساس في المعرفة الجديدة .
3. تيار ما بعد الحداثة يتبدى في إنشاء اللغة كمقوم إنساني وفي غلبة الخطاب والعقل .
4. تيار ما بعد الحداثة يسعى إلى تقديم نمط جديد من إلتقاء الفن بالمجتمع أو الدعوة إلى (الثقافة الشعبية) في مقابل ثقافة نخبوية ميزت الحداثة أو بحسب تعبير فيدلر بأن ما بعد الحداثة تعبر عن الفجوة بين الثقافة الراقية والثقافة الشعبية .
5. تيار ما بعد الحداثة يتطلع إلى الأشكال المفتوحة , المرحة والطموحة , والإنفصالية والمهجورة أو غير المحدودة لتكوين خطاب مؤلف من شظايا أو تكوين إيدولوجية التصدع التي تعمد إلى الحل والفض وتستنطق الصمت - رغم كل ذلك فإن تيار ما بعد الحداثة ينطوي أيضاً على عكس هذه المكونات ونقائضها .

الاثنين، 30 نوفمبر 2015

كيف تختار مشرفا لرسالتك(ماستر ماجستير أو دكتوراه)؟


استبيان اختيار المشرف
(موجه لطلبة الماستر ،الماجستير والدكتوراه)

• هل المشرف الذي تريد العمل تحت إشرافه مؤهل للإشراف على رسائل التخرج(ماستر،ماجستير أو دكتوراه؟ نعم لا
• هل بقي لديه سنتين على الأقل على التقاعد؟ نعم لا
• هل هو مستقر بالمؤسسة التي يدرس بها (ليس لديه نية التحويل إلى مؤسسة أخرى)؟ نعم لا
• هل هو متفرغ على العموم للطلبة والباحثين الذين يشرف عليهم؟ نعم لا
• هل لديه كفاءة في المجال الذي تبحث فيه؟ نعم لا
• هل يمكن أن يكون لديه اهتمام بالموضوع الذي تبحث فيه؟ نعم لا
• إذا كان يعرفك من قبل ، هل حفزك على العمل تحت إشرافه؟ نعم لا
•هل يسقف عدد الطلبة الذين يشرف عليهم؟ نعم لا
• هل يقبل أن يكون للطلبة طريقة عمل تختلف عن طريقته ؟ نعم لا
• هل يدير ملتقى أو ورشة بحث لفائدة الطلبة الذين يعملون تحت إشرافه؟ نعم لا

المرجع :ميشال بو
هدا الاستبيان موجه إلى الطلبة والباحثين المقبلين على إعداد مدكرات تخرج ماستر أو ماجستير ورسائل دكتوراه : وهو يساعد هؤلاء في إختيار المشرف الذي يشرف على أعمالهم من خلال محاولة الإجابة على الأسئلة المطروحة ثم إتخاذ القرار المناسب كما يلي:
– الإجابة ب”نعم” على أقل من 5 أسئلة يعني صرف النظر والبحث عن مشرف آخر
– الإجابة على 5 إلى 7  أسئلة ب “نعم” يعني قبول هذا المشرف مع الأخذ بعين الاعتبار لمساوئه.
– اإجابة على أكثر من 7 أسئلة ب” نعم ” تعني الإسراع في الحصول على خدمات هذا المشرف وعدم التفريط فيه.
ملاحظة :إن تطبيق هذا الاستبيان لا يعني إخضاع المشرف للإجابة عليه ولكن يجيب عليه الباحث من خلال إنطباعاته ومعلوماته المتوفرة حول هذا المشرف.

الأحد، 29 نوفمبر 2015

لمحة عن الأسطورة (فى الطفولة والجنون والإبداع والتصوف).



د. رفعت محفوظ

تعبر الأسطورة عن الوحدة الشاملة بين الإنسان والعالم، فالإنسان القديم أحس فى أعماقه أن حياته ترتبط بنظام الكون ولا تنفصل عنه وأن جذوره مغروسة فى الطبيعة،وجاءت الأسطورة كتعبير مباشر عن وحدة الوجود وعن حضور الإنسان المباشر فى العالم وعن وعيه بهذا الوجود. والفكر الأسطورى – فى نظر بعض المفكرين – هو أساس كل نشاط شامل وموحد للفكر الإنسانى، موضوعه دائماً الواقع الكلى والمطلق.

تفسير الأسطورة:

هناك وجهات نظر عدة لتفسير الأسطورة، سوف نكتفى هنا بالإشارة إلى أهمها .. فوجهة النظر الوجودية ترى أن الأسطورة لا يمكن تفسيرها بالرمز والتورية ولكنها تحتوى فى ذاتها على تفسيرها، والوعى الأسطورة يشمل الوحدة الأصلية للشعور والعالم، الوحدة السابقة على التأمل وانعكاس الذات على نفسها. أما التفسير المجازى فيعتبر الأسطورة قصة مجازية الهدف منها إخفاء معنى عميق لمنع نتسرب حقائق عظيمة إلى أيدى من يسئ إليها. والتفسير الرمزى يرى فى الأسطورة قصة رمزية تعبر عن فلسفة كاملة وجدت فى عصور قديمة. ولقد اعتبر فرويد – من منطلق التفسير النفسى – الأسطورة كشئ يعبر عن دوافع وقوى نفسية دائمة غير معترف بها، ولذلك أطلق على هذه الداوفع أسماء شخصيات أسطورية أغريقية، فى حين أن رؤية يونج للأسطورة،و هى من أعمق التفسيرات النفسية، ترى أن الأساطير العظيمة هى النماذج الأصلية "للاشعور الجماعى" أو "النفس الموضوعية"، حين نجد هذه الأساطير دائما وأبدا وإرادة عبر تاريخ البشرية وآدابها فى جميع أنحاء العالم، أنها تصور أعمق أفكار الجنس البشرى وأحاسيسه. أما المدخل الأنثروبولوجى لتفسير الأسطورة فيعتبرها نتاج تركيبات العقل البشرى المتناغمة، وبعد أن تأخذ الأسطورة مكانها بين مجموعة معينة نجد أنها تأخذ مكانها فى تركيبة عقلية محددة، وبناء على ذلك فأنه، فى النهاية، سوف تتجلى الأسطورة أكثر اتساقا من التاريخ.
 

بين الأسطورة والفلسفة:

يعتبر بعض المفكرين أن الفلسفة قد اكتشفت فى الأسطورة البناء الوجودى، والصورة الأصلية التى تعبر عن ارتباط الإنسان بالواقع والحياة، ويكون العلو الدينى حالا فى الواقع المحسوس وليس مفارقاً له.

وقد اعتبر بعض فلاسفة اليونان أن الأسطورة هى الحقيقة فى صورتها الرمزية، وعلى الفلاسفة أن يرفعوا الحجاب عن هذه الحقيقة الرمزية، فكأن الأسطورة تخفى الحقيقة، وتجئ الفلسفة لإظهارها. إذن فالوعى الفلسفى – عند البعض – نشأ عن الوعى الأسطورى، والفكر الأسطورى سابق على الفكر الفلسفى الذى حاول بقدر المستطاع أن يستقل عنه.

بين بعض المظاهر النفسية والطبنفسية والأسطورة:

1- فى مراحل نمو الطفل نجد أن وجه الشبه شديد بين تفكير الطفل فى هذه المراحل، وعلاقته بالعالم حوله، وبين التفكير الأسطورى،. فعلى سبيل المثال، فى مرحلة معينة يميل الطفل إلى إضفاء المشاعر والدوافع والقدرة إلى كل الأشياء – الجماد واللاجماد – وهو ما يسمى بالأنسنة Animism، وهو بذلك يعامل الجماد على أنه كائنات حية ويقيم معها علاقات عاطفية.. وهذه الظاهرة شديدة الشبه بالتفكير الأسطورى الذى لا يعرف جماداً، والإنسان فيه يعامل كل ما حوله معاملة "الصنف" لنفس "الصنف" ويقيم معه علاقة "الأنا" بالـ "أنت".

وهناك ظاهرة أخرى عند الأطفال وهى أن الكلمة أو الفكرة (رمز) تساوى الفعل (حدث واقعى)، والرغبة تساوى تحققها فى الواقع، وما قد يترتب على ذلك من إحساس النصر أو الزهو أو إحساس بالذنب. أيضاً فى مرحلة معينة لا يقيم الطفل حدوداً واضحة بين الخيال والواقع والحلم والحقيقة .. كل ذلك من سمات التفكير الأسطورى الذى لا يميز بين الرمز والمرموز إليه، ولا يميز بين الأحلام والأوهام والرؤية العادية، ولا بين الأحياء والأموات، والجزء فيه يقوم مقام الكل. كما أن الصفات والأفكار المجردة تتجسد أيضا.

كذلك يمكن القول بأن نوع الإدراك الموجود لدى الأطفال الصغار والذى يسمى "بالحاسة السادسة" Extrasensory Perception هو إدراك "قبل – لفظى" يعيننا على فهمه تصور قيام علاقة مباشرة بين الطفل والعلم كتلك العلاقة الموجودة فى الحياة الأسطورية. وبصفة عامة، فإن مقارنة العمليات المعرفية Cognitive Processes عند الأطفال فى مراحل نموهم الأولى والتى يطلق عليها – إجمالا – العملية الأولية Primary Process thinking بالتفكير الأسطورى سوف توضح لنا وجود الكثير من أوجه الشبه، وتعيننا على معرفة نوع العلاقات والارتباطات فى كل منهما.

2- فى بعض حالات الجنون يفقد صاحب الخبرة الجنونية حدود ذاته التى تكونت خلال مراحل نموه المختلفة، ويتفجر بداخله الينبوع الأصلى للحياة متصلا ينبض الكون من حوله .. إذن فهى الحياة الأسطورية المعبرة عن انغماس الإنسان فى قلب الوجود فى صورة غير متميزة بعد .... وبالرغم من رحلة الإنسان الطويلة منذ أن بدأ انفصاله التدريجى عن الطبيعة حتى وصل إلى درجة شديدة من الاغتراب عنها والاغتراب عن جوهر ذاته .. بالرغم من ذلك فإن نقطة البداية اللامتميزة ما زالت كامنة فى أعماقه كما أنها قادرة على أن تستعيد نشاطها بهذه الصورة الجنونية الفجة .. وبتعبير آخر، فإن التركيبة المخية الأسطورية الأولية عادت تعمل فى اندفاعة شديدة فعوقت نشاط كل التركيبات المخية اللاحقة فى سلم التطور الإنسانى.

فى مقابل تلك الخبرات نجد وصف بعض المرضى النفسيين لمظاهر الاغتراب عن الذات وعن العالم المحيط، وما يحسونه نتيجة لذلك من "خواء" و "فراغ" وفقدان "لمصدر الحيوية والطاقة" فى داخلهم وفقد علاقاتهم "بأجسادهم نفسها" كل ذلك قد يصل إلى حد الإحساس "بعدم الوجود" أو "الموت" أو فقدان "الحياة الحية". هذه المظاهر المرضية يمكن رؤيتها على أنها النقيض لما تعبر عنه الاسطورة من علاقة الإنسان الحميمة بالوجود ومعايشة الحياة والإحساس بنبضها فى داخله. وبناء على ذلك هل يمكننا القول بأن فرط التجريد والتجاوز لدرجة فقد الصلة التامة بالمستوى البيولوجى فى داخل مثل هؤلاء المرضى، وهو ا لمستوى المقابل للمستوى الذى كان يعيش به الإنسان حياته الأسطورية الأولى: قد نتج عنه فقدانهم لعلاقاتهم الحيوية بذواتهم وأجسامهم والكون من حولهم؟!

وفى بعض حالات الجنون الأخرى نواجه بمنظومة محكمة من الأفكار والاعتقادات الضلالية التى لا تخضع للمنطق العادى، وهذه المنظومة الضلالية لو احسنا الاستماع إليها لوجدنا أن وجه الشبه كبير بينها وبين منطق وتركيب الأسطورة، فى حين نجد أنها بعيدة كل البعد عن عالم المنطق والواقع العاديين .. وقد تعيش هذه الضلالات (الأسطورية) جنبا إلى جنب مع التفكير المنطقى العادى فى الشخص نفسه.

بين الأسطورة والتصوف:

قد يكون من الغريب أن نحاول رؤية وجه شبه – من زاوية معينة – بين الوجود البشرى فى مرحلته الأسطورية وبين الوجدو البشرى فى حالات التصوف.. فإذا تذكرنا أن الأسطورة تجعل الذات تشارك فى الموضوع، والموضوع يشارك فى الذات, والإنسان يتمثل الوجود على صورته، ويفسر الواقع تفسيرا حيويا، أى أن الأسطورة هى التعبير المباشر عن وحدة الوجود، وأن التصوف حالة من حالات الإنسان التى يتواصل فيها مع حقائق الوجود ويصفى إلى كل شىء فى الكون، ويصل إلى جوهر ذاته، ويصبح كلا موحدا موجها جميع أبعاده إلى منطلقها الأول، لو تذكرنا ذلك قد يتضح لنا وجه الشبه.

ولكن ذلك هو وجه الشبه بين "البداية" و "النهاية" بالرغم من بعد الشقة بينهما .. هو وجه الشبه ما بين "القبل" و "والبعد" على طريق التطور البشرى .. وهو وجه الشبه ما بين حالة "اللاتمايز" Undifferentiation وحالة الولاف" Synthesis فى مسيرة النمو المبدع . . الوجود الأسطورى هو بداية المطاف، والتصوف الايجابى هو نهايته، وما بينهما يقع تاريخ الإنسانية وشرف المعاناة .. الأسطورة الفجة هى جنة ما قبل الوعى، والتصوف هو جنة الوعى الفائق.

كذلك تجدر الإشارة هنا إلى أنه فى الأسطورة يكون العلو الدينى خالا فى الواقع المحسوس وليس مفارقا له، وفى التصوف لا تدرك الأشياء بمعزل عن اتصالها بالله، وتكون حياته المتصوف مظهرا تتجلى فيه الألوهية، وبين هذا وذاك تقع أنواع ودرجات التدين المختلفة من حيث مدى معايشة هذا الاتصال، فى حين أن الإلحاد، كما يراه بعض المفكرين، هو "النظرة إلى الأشياء على أنها مستقلة عن أصولها وغاياتها ومعانيها".

أهمية دراسة الأسطورة:

دراسة الأسطورة هى دراسة جزء أصيل من الملحمة الإنسانية، تدلنا على عمق التراث الذى يملكه الإنسان فى داخله، وتوقظ لدينا الصلة الأصيلة بالكون، وعلاقة التناغم والانسجام معه، ومن هذا المنطلق فإن إهمالها فى عصرنا الراهن – بحجة أى إدعاء – هو إهمال لجذور تاريخ الوجود الإنسانى، ويمكن اعتبار دراسة الأسطورة (الوجود البشرى فى مرحلة الأسطورة) كدراسة مسودة الوجود الإنسانى وما يحتويه من علاقات كونية وبذور النشاطات الإنسانية المختلفة التى تمايزت واتضحت معالمها على مر العصور، وقد يتضح لنا من دارسة تلك المسودة أبعادا فى لغز الوجود الإنسانى أكثر ثراء من نتائج الدراسات العقلية الوضعية للوجود الإنسانى الحالى وما يعانيه من تجزئ كيانه.

ويكتسب هذا النوع من الدراسة أهيمته وفائدته الكبرى إذا وضع فى إطار اللغة البيولوجية أو "لغة المخ البشرى"، حيث ترى هذه اللغة أن المخ البشرى هو "مجموعة أمخاخ" أو تركيبات مخية متعاقبة فى تصاعد "هيراركى" تمثل مراحل تطور الإنسان، والإطار المقابل لهذه اللغة – على المستوى النفسى – هو رؤية التكثر أو تعدد الذوات – أو الشخوص – أو "حالات الأنا" داخل الإنسان الفرد الواحد.

ومن هذا المنطلق يكتسب المنهج الأنثروبولوجى لدراسة الأسطورة أهيمته حيث يرى اتساق مجموعات الأساطير المختلفة تعبيرا عن أنها نتاج تركيبات عقلية (مخية) متتابعة فى سلم تطور العقل (المخ) البشرى، وكذلك يتضح لنا مدى عمق مدخل يونج فى رؤيته لعلاقة الأساطير المختلفة بعناصر "اللاشعور الجماعى" أو "النفس الموضوعية" وهى القاسم المشترك الأعظم بين جميع البشر.
 

ودراسة الطفولة، مع استخدام المناهج المناسبة لعمق الدراسة، هى – من منظور معين – دراسة مستويات المخ المتوارثة، ودراسة المستويات البيولوجية الوجودية التى أنتجت فى الأزمان القديمة الأسطورة واعتقدت فيها، وكان تفكيرها أسطوريا وعلاقتها بالوجود علاقة أسطورية، ويتضح لنا من خلال هذا النوع من الدراسات مدى علاقة الأنتوجونى (تطور الإنسان الفرد) بالفيلوجينى (تطور الإنسان كنوع). ودراسة الجنون بهدف التعرف على إمكانيات وعمق الوجود البشرى، تضعنا وجها لوجه أمام ما نحاول طمسه والاغتراب عنه فى داخلنا من مستويات بيولوجية وعلاقات كونية ورثها إنسان العصر الحالى عن جدوده الذين عاشوا الأسطورة. ودراسة الإبداع فى الذات (النمو النفسى وقمته التصوف) هو دراسة عملية تلاحم وتكامل وصهر تلك المستويات – التى عايناها فى مراحل الطفولة والجنون – مع المستويات الأحدث من المخ البشرى والوجود الإنسانى وذلك لعلم ولاف جديد، ودراسة الإبداع فى مجالاته المختلفة هو دراسة لنتاج عملية الانسجام، والتناغم الداخلى الذى يحدث بين مستويات الوجود داخل الشخص المبدع مع التعبير عن ذلك بلغة تواصلية.

والآن، كيف نستطيع فى عصرنا الحالى أن نعمى عن رؤية تلك الشواهد التى تدل على مدى أبعاد الوظيفة الإيجابية للاسطورة فى عالمنا المعاصر؟! هل تغنينا العقلية الوضعية حينما تتجاهل الأبعاد المتعددة للوجود الإنسانى عن مثل هذه الوظيفة الإيجابية؟! ولو كان ذلك كذلك فلم كل هذا الاغتراب الذى تعانى منه الحضارة نتاج هذه العقلية؟

خلاصة القول ...

يمكننا اعتبار الفكر الأسطورى نتاج تركيبات (تنظيمات) مخية هى من مكونات مخ كل إنسان فرد، ووجود هذه التركيبات المخية هو المسئول عن وجود واستمرار الأسطورة بين جميع الشعوب، وعن كونها تعيش فى وجدان هذه الشعوب .. وعندما تستعيد هذه التركيبات المخية نشاطها بصورة بدائية فجة يكون نتاج ذلك هو الجنون .. ولكن فى حالة استعادة النشاط وهى ما زالت تحت سيطرة التركيبات المخية الأحدث وهى فى تبادل معها وتوافق ونتاج مشترك، فإن ذلك يؤدى إلى النمو المبدع الذى يظهر نتاجه فى الذات وفى الإنتاج الأدبى والفنى والعلمى بأنواعه المختلفة.

المراجع

1- ما قبل الفلسفة. تأليف هـ. فرانكفورت، هـ. أ. فرانكفورت، جون أ. ولسون، توركيلد جاكوبش. ترجمة جبرا إبراهيم جبر. منشورات مكتبة الحياة – فرع بغداد.
2- أساطير إغريقية. الجزء الأول – أساطير البشر. تأليف د. عبد المعطى الشعرواى. القاهرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1982.
3- الأساطير – دراسة حضارية مقارنة. تأليف الدكتور أحمد كمال زكى. بيروت – دار العودة، الطبعة الثانية، 1979.
4- الفكر الفلسفى. تأليف الدكتورة نازلى إسماعيل حسين. كلية الآداب – جامعة عين شمس، 1982.
5- ما يعد به الإسلام. تأليف روجيه جارودى. ترجمة قصى أتاسى وميشيل واكيم. دمشق. دار الوثبة، 1982.
6- دراسة فى علم السيكوباثولوجى (شرح: سر اللعبة). تأليف د. يحيى الرخاوى. القاهرة – دار الغد للثقافة والنشر،
1979.

الجمعة، 27 نوفمبر 2015

الفلسفة البراجماتية أصولها ومبادئها



الفلسفة البراجماتية
أصولها ومبادئها(1/2)

الدكتور علي عبد الهادي المرهج(*)


ظهرت الفلسفة البراجماتية على يد الفيلسوف الأمريكي تشارلس ساندرس بيرس وعرفت بشكل واسع على يد الفيلسوفين وليم جيمس وجون دوي. ربطت هذه الفلسفة بين الفكر والعمل، ونادت بالقول ان (قيمة أي فكرة تكمن في فائدتها العملية) والجديد في هذا المبدأ هو وضع الفائدة العملية في المقام الأول، ويبدو هذا المبدأ الذي وضعه بيرس كمبدأ رئيس من مبادئ وضوح الفكر ومعناه، نتيجة منطقية لانعدام الحس التاريخي لدى الشعب الأمريكي، الذي يحاول أن يكون صانع مستقبل كحالة تعويضية عن فقدانه الجذر التاريخي، فأمريكا تحاول ان تؤصل حاضرها تجاه الماضي الأصيل للشعوب الأخرى، ولا سبيل أمامها لتحقيق هذا الهدف سوى بناء قاعدة معرفية تنطلق منها، وقد شكلت براجماتية بيرس تلك القاعدة التي استقرأت حقيقة تفكير الإنسان الأمريكي، الذي لا يسأل عن النشأة (الماضي) بقدر ما يسأل عن النتيجة (المستقبل)، وقد أصبحت هذه القاعدة هي الميزة الأساسية التي تميز الفكر الأمريكي من الفكر الأوربي.
المشكلة هنا هي أن قاعدة (الآثار والنتائج العملية) هذه لم تعرف لدى الدارسين العرب بصيغتها عند واضعها (تشارلس بيرس)، بل عرفت بالصياغة التي وضعها لها وليم جيمس وجون دوي. ذلك أن جهود الباحثين العرب في محاولتهم لنقل الفكر البراجماتي انصبت على ما كتبه هذان الفيلسوفان، فكان نصيب وليم جيمس وجون دوي من الدراسة والبحث والترجمة- لكونهما مشهورين إعلاميا أو لكونهما تركا كتبا لا تتطلب سوى الترجمة المباشرة أو الاعتماد المباشر عليها- اكبر من نصيب زميلهما (تشارلس بيرس) لذا ترجمت أعمالهما،واعتمدت بشكل يكاد يكون كاملا في توضيح معنى البراجماتية، وقد اصبح القارئ العربي يعرف البراجماتية من خلال ماكتبته هاتان الشخصيتان أو ما كتب عنهما من مؤلفات، اما بيرس الذي لم يترك لنا سوى أوراق غير منشورة ومقالات نشر مجموعة منها في الصحف- فقد ظل مختفيا خلف كلمة (مؤسس) البراجماتية، لكن فكر هذا الفيلسوف وجهده الأساس في بناء المنهج البراجماتي، ظل مجهولا لدى القارئ العربي.
لذلك سينصب جهدنا في هذا البحث لتوضيح معنى البراجماتية لغة واصطلاحا، وكيفية النشأة ودور بيرس في وضع الأساس الذي انطلق منه المنهج البراجماتي بالشكل الذي نعرفه، مع توضيح أن البراجماتية لها ما يميزها، بوصفها فلسفة معاصرة من حيث تأكيدها على عدم الأيمان بالأنساق الميتافيزيقية والإيمان بالقانون العلمي، وميلها إلى تحليل المفاهيم والمصطلحات ونقدها للميتافيزيقيا.
معنى البراجماتية
البراجماتية لغة:
تعني البراجماتية لغة:
1-
الاستشراف العملي و (البراجماتي) يعني العملي(1).
2-
البراجماتية لفظ مشتق من اللفظ اليوناني (برغما Pragma) ومعناه العمل، وتأتي منه كلمة (مزاولة)(2).
البراجماتية اصطلاحاً:
أما المعنى الاصطلاحي لكلمة البراجماتية فهو وبصورة محددة يطلق على أحد المذاهب الفلسفية التي ظهرت في اميركا على يد تشارلس ساندرس بيرس (1878م) وتطور على يد وليم جيمس وجون دوي. يقرر هذا المذهب ان «العقل لا يبلغ غايته إلا إذا قاد صاحبه إلى العمل الناجح، فالفكرة الصحيحة هي الفكرة الناجحة أي الفكرة التي تحققها التجربة. ولا يقاس صدق القضية إلا بنتائجها العملية»(3)، وهذا يعني ان النتائج أو الثمار المستحصلة هي التي تحدد قيمة أي فكرة، فهي التي تقطع الشك باليقين كما ترى البراجماتية.
اقسام الفلسفة البراجماتية:
تقسم البراجماتية كغيرها من المدارس الفلسفية الأخرى إلى عدة اقسام بتعدد فلاسفتها (على الرغم من انها اتجاه في الفلسفة) فهناك:
1-
براجماتية بيرس التي سنتناولها في بحثنا هذا.
2-
براجماتية جيمس التي سماها فيما بعد (التجريبية المتطرفة) فهو (جيمس) يعد «كل ما تقوم عليه التجربة فهو حقيقي واقعي، وكل ما هو واقعي تقوم عليه التجربة»(4). الوعي عند جيمس تيار مستمر تجري تجزئته إلى موضوعات وعلاقات بين الموضوعات(5) وذلك بفعل تدخل العقل، وهذه التجربة لا تجري بشكل اعتيادي وانما تمليها مصالحنا وغاياتنا وربما مزاج المدرك كذلك(6).
3-
هناك نوع آخر من البراجماتية هي براجماتية دوي التي سماها باسم (الاداتية Instrumentalism) أي ان «النظرية آلة واداة للتأثير في التجربة وتبديلها، أو المعرفة النظرية وسيلة لزيادة قيمة التجارب السابقة من حيث دلالتها المباشرة»(7) فالنظرية الآلية تحسب «ان العقل آلة يستخدمها الإنسان للمحافظة على الحياة أولا وفي تنميتها ثانياً» ويعبر عنها دوي بالقول ان الاداتية «هي محاولة لتكوين نظرية منطقية دقيقة للمدركات العقلية والاحكام والاستنباطات في شتى صورها وذلك عن طريق البحث اولا في الكيفية التي يؤدي بها الفكر وظيفته في التحديد التجريبي للنتائج المستقبلة»(8).
4-
وهناك اتجاه في الفلسفة البراجماتية ظهر في ألمانيا وهو نوع متطرف من البراجماتية تأسس على يد فايهنجر(9)، سمي فلسفة (الوهم) وهذا النوع يرى «ان المبادئ الرئيسية في العلوم الطبيعية والرياضيات والفلسفة والأخلاق والدين والقانون مجرد أوهام. وعلى الرغم من ان الحقائق الموضوعية تنقصها إلا انها مفيدة للعمل»(10) ويبدو ان هذا الاتجاه لم يلق نجاحاً في المانيا نتيجة لوجود تيارات فلسفية كبيرة متجذرة في المانيا، فكيف لألمانيا ان تستقبل تياراً فلسفياً وافداً والفلاسفة الألمان هم أركان الفلسفة في العالم الحديث.
5-
أما النوع الآخر من البراجماتية فهي براجماتية شلر(11) التي سماها (الإنسانية) أو المذهب الإنساني (Humanism) وقد ظهر المذهب في إنكلترا في مدة مقاربة لظهور البراجماتية في أمريكا، ويتلخص هذا المذهب في ان «إدراك الإنسان ان المشكلة الفلسفية تخص كائنات بشرية، تبذل غاية جهدها لتفهم عالم التجربة الإنسانية وزادها في ذلك أدوات الفكر البشري وملكاته»(12). فلسفة شلر هي فلسفة إنسانية يؤثر فيها الإنسان تأثيراً كبيراً، فالفلسفة عند شلر وجدت لحل مشاكل الإنسان ومعالجتها.
6-
ومثلما امتد تأثير البراجماتية إلى بريطانيا ظهرت أيضا في إيطاليا، حيث تبناها الايطالي الشاب بايني الذي قال عن البراجماتية بأنها «تكمن وسط نظرياتنا مثل الرواق أو الدهليز في فندق فهو يفضي إلى عدد لا حصر له من الغرف ويفتح عليها. ففي احدها قد نجد رجلاً منكباً يكتب سفراً في علم الجمال، وفي الغرفة المجاورة لها قد نجد شخصاً ساجداً يدعو الله ان يهبه الإيمان والقوة وفي الثالثة نجد كيميائياً يبحث في خصائص أحد الاجسام، وفي غرفة رابعة نجد نظاماً من الميتافيزيقيات المثالية في طور المخاض والابتداع، وفي غرفة خامسة نجد من يثبت استحالة الميتافيزيقا.ولكن الرواق أو الممر أو الدهليز ملكهم جميعهم. ومن المحتم على كل منهم ان يمر خلاله إذا اراد طريقاً عملياً للدخول إلى غرفته أو الخروج منها»(13).
وكذلك ظهر لهذا الاتجاه ما يماثله في فرنسا على يد برجسون صاحب الفلسفة الروحية، وقد كان الأخير من المعجبين اشد الإعجاب بآراء وشخصية وليم جيمس حتى انهما كانا يتبادلان رسائل الإعجاب الفكري فيما بينهما(14)، ويتبين من خلال هذه الرسائل موافقة برجسون لأغلب آراء وليم جيمس على الرغم من وجود بعض نقاط الاختلاف في مذهبيهما حتى ان «جيمس قد صرح بتحوله إلى البرجسونية»(15)، «كلا الفيلسوفين قد اوليا اهتماماً للتطور البايلوجي ولكن بفرق، حيث كان برجسون اكثر بيلوجية من جيمس»(16)، «إلا ان برجسون يقترب من البراجماتية كونه يعد العقل هو القدرة على صنع الأدوات»(17) فليس المهم عند البراجماتية العقل، بل هو فعل العقل وتأثيره وما يؤدي إليه بوصفه أداة في خدمة اغراض الإنسان.
اصل البراجماتية:
يرجع اصل البراجماتية إلى تشارلس ساندرس بيرس. وقد نشأ اصطلاح البراجماتية (Pragmatic) في ذهن بيرس نتيجة "دراسته لكانط" فالانثروبولوجيا البراجماتية طبقاً لما يراه كانط - كما يقول بيرس- (هي فلسفة اخلاق عملية، فالأفق البراجماتي هو تكييف لمعرفتنا العامة في التأثير على اخلاقنا«(1-5)(18) والفرق العملي (Practical) عند كانط والبراجماتي (Pragmatic) عند بيرس هو انه عند كانط "ينطبق على القوانين الأخلاقية التي يعدها أولية (Apriori) أما العملي عند بيرس فينطبق على قواعد الفن والصنعة التي تعتمد على الخبرة وتقبل التجربة»(19) وقد كانت غاية بيرس من ذلك هو وضع تصورات واضحة تتلاءم وما يريده هو.
ان دراسة بيرس لكانط ارتبطت بجانبها العملي لأن بيرس ومنذ طفولته وبتشديد من والده كان حريصاً على ان يكون كيمياوياً مما ارتبط ذلك عنده بأن يميل في كبره إلى الاعتقاد بأن التجربة والمعمل هما الفاصل الرئيس في الحكم على صدق الفكرة أو كذبها. فالشخص الذي ما يزال يفكر باصطلاحات كانط - كما يرى بيرس- «يكون العملي (Praktisch) وPractical و(البراجماتي) بمثابة الشيء ونقيضه، وينتمي اولهما إلى منطقة من الفكر لا يستطيع فيها أي ذهن من طراز تجريبي ان يطمئن إلى صلابة الأرض التي تحت قدميه بينما الثاني يعبر عن الارتباط بهدف انساني محدد، وابرز ملامح النظرية الجديدة (البراجماتية) هو الاعتراف بوجود علاقة لا تنفصم عراها بين الادراك العقلي والغرض العقلي»(20)، فالمدلول العقلي إذن لكلمة من الكلمات انما يكون في تأثيرها على مجرى الحياة والا فلا يكون هناك معنى لهذه الكلمات ولا يوجد هناك داعٍ لتداولها.
النادي الميتافيزيقي: ولادة البراجماتية:
لقد سعى بيرس ومنذ صغره وبمساعدة والده للسير في مجال البحث العلمي، ولقد كان جل تفكيره أن تصبح له مكانة خاصة في الفكر الأمريكي في يوم من الأيام، وربما كان هذا الدافع قد تولد عنده نتيجة شهرة والده آنذاك. وقد كانت بدايته في طلب الشهرة هي محاولته أن يجد له مكاناً كأستاذ في جامعة هارفرد إلا انه لم يفلح في ذلك إلا لمدة قصيرة جداً. فما كان منه إلا أن يسعى إلى الشهرة والمجد العلمي من خلال طريق آخر وبمساعدة تشونسي رايت(21). وبعد عشر سنين من تخرجه من جامعة هارفرد قام هو ومجموعة من الشباب المتحمسين والذين يطمحون إلى ان يحتلوا مكاناً في الفكر الحديث بتأسيس حلقة فكرية تولى قيادتها فيلسوفنا تشارلس بيرس، سميت هذه الحلقة (بالنادي الميتافيزيقي). وقد كانت هذه الحلقة هي البذرة الأولى التي أثمرت ما يسمى الآن بـ(البراجماتية) وفي إحدى مذكراته يقول بيرس: "كان ذلك في أوائل السبعينات (1870) عندما اعتادت جماعة منا نحن الشباب في كامبرج العتيدة، دعونا أنفسنا على سبيل السخرية وعلى سبيل التحدي (النادي الميتافيزيقي) لأن مذهب اللاادرية كان عندئذ في أوج رواجه. وكان ينظر بازدراء شديد إلى كل الميتافيزيقيات. اعتادت الجماعة أن تلتقي أحيانا في غرفة مكتبتي وأحياناً أخرى عند وليم جيمس. ولعل بعض حلفائنا القدامى في (العصابة) لن يحفلوا اليوم بأن يذاع على الملأ أننا كنا في شهوات الشباب على الرغم من ان كل نصيبنا من شهوات الشباب لم يكن سوى الشوفان المسلوق واللبن والسكر في كل ورطة على المائدة المشتركة. فأما المستر هولمز فأعتقد انه لن يسوءه ان نقول اننا فخورون بـأن نتذكر عضويته. وكذلك العالم الموقر جوزيف وارنر. ولقد كان نيكولاس سانت جرين من اكثر الزملاء الأعضاء اهتماماً وشغفاً، وهو محامٍ ماهر ضليع في مادته، واحد حواريي بنثام. كانت قوته الخارقة في تجريد الحقيقة الحية من أثواب المصطلحات البالية هي ما لفتت إليه الأنظار في كل مكان، وكان يرى أهمية خاصة في تعريف باين (Bain)(22) للاعتقاد بأنه "هو الشيء الذي يصبح الإنسان على أساسه مستعداً للفعل (العمل) وغالباً ما كان يحض على أهمية استعمال هذا التحديد. وهذا التحديد يرينا ان البراجماتية ليست إلا نتيجة له. ولذلك أميل إلى اعتبار (باين) الجد الأول للبراجماتية، وتشونسي رايت وهو شخصية ذائعة الصيت في تلك الفترة. لم يكن ليتغيب عن اجتماعاتنا ابداً، وكنت على وشك ان اسميه (المايسترو) (أي قائد) الاوركسترا (الفرقة) ولكنه خليق بأن يوصف استاذنا في الملاكمة الذي اعتدنا وخصوصاً أنا ان نواجه لكماته ولطماته القاسية مراراً وتكراراً..)(12-5).
من الواضح ان تشونسي رايت من أهم الأعضاء في هذا النادي، وله أثراً كبيراً على بيرس ووليم جيمس، حيث كان (أستاذاً) صاحب مكانة مرموقة في دائرة اصدقائه في كامبرج(23) وقد عده جيمس «استاذاً ضليعاً في ميدان التفكير العلمي ويتقبل آرائه على اعتبار انه حجة مبينة في الدعوة إلى الأهداف والطرائق العلمية»(24). وقد كان رايت من اشد المتشبثين بالفلسفة التجريبية، وربما كان هذا هو أحد الأسباب المهمة في إعجاب بيرس ووليم جيمس بهذا الرجل.
كانت تدور في هذا النادي المناقشات والمجادلات بين أعضائه، وقد حرص بيرس على أن يدون ما كانوا يتناقشون به خشية أن ينتهي الأمر إلى الحل دون أن يترك أي ذكرى مادية وراءه، «وقد حاولت - كما يقول بيرس- أن اكتب مقالاً عرضت فيه بعض الآراء التي كنت أحبذها دائماً تحت اسم البراجماتية، وقد نشرت هذه المقالات في عام 1878 في مجلة العلوم الشهرية الشعبية عدد يناير»(12-5).
المنهج البراجماتي:
ارتبطت بداية المنهج البراجماتي بقاعدة بيرس القول المأثور كما تسمى (Maxim) «الأخذ بالنتائج العملية التي ندرك أن تفكيرنا قد يكون على علاقة بها وعندئذ يكون إدراكنا لهذه النتائج هو كل مفهومنا عن هذا الموضوع»(1- 5)، هذه القاعدة التي عدت النتائج هي مقياس صدق الفكرة أو بطلانها، وبالتالي عدها بيرس الأساس في وصولنا إلى أقصى درجات الوضوح، لذا فهو لم يكتف بذكرها ذكراً عابراً، بل يعيد القول بها في أكثر من مكان بين كتاباته، فهو يقول «لكي نتأكد من معنى أي مفهوم عقلي، يجب ان نأخذ بعين الاعتبار النتائج العملية التي يمكن أن تحصل بالضرورة من ذلك المفهوم، ومجموع تلك النتائج يشكل المعنى التام لذلك المفهوم»(402-5)(422-5)(438-5).
انطلاقاً من هذا القول المأثور أصبحت البراجماتية منهجاً في الفلسفة، ولم يتخذ فلاسفتها عند دخولهم مجال البحث الفلسفي طريقة فلسفية خاصة تجعل منهم بناة مذهب فلسفي متكامل قائم بذاته لا يقبل الزيادة أو النقصان كما فعلت المثالية أو التجريبية، بل ان المعرفة الإنسانية معرفة محددة ونسبية قابلة للتغيير بتغير ظروف الإنسان، فجميع فلاسفة البراجماتية عدوا البراجماتية منهجاً وليس مذهباً فلسفياً، «فهي اتجاه لحل المناقشات الفلسفية والمنازعات الميتافيزيقية التي لولاها (البراجماتية) وبدونها ما كان يمكن لها ان تنتهي.. (فالمنهج البراجماتي يعد) محاولة لتفسير كل فكرة بتتبع واقتفاء اثر نتائجها العملية كل على حدة»(25)، ومن الممكن ان يكون أحد أسباب ولادة المنهج البراجماتي هو ذلك الصراع بين التجريبية من جهة، والتي تخلص للوقائع الجزئية والأشياء المحسوسة والعقلية من جهة أخرى، والتي تعنى بالحاجات الروحية للإنسان، لكنها تتنكر للوقائع الجزئية والأشياء المحسوسة. وقد وجد المنهج البراجماتي ان كلا المدرستين يهمل جانباً ويهتم بجانب آخر، وكلا الجانبين مهمين، فجاء المنهج البراجماتي لكي يفي المطلبين «فهو ديني كالعقيلين ولكنه في نفس الوقت مثل التجريبية شديد الإخلاص للوقائع الجزئية والأشياء المحسوسة»(26)، فغاية المنهج البراجماتي هو توضيح الفكرة ومحاولة الوصول إلى حل النزاعات الميتافيزيقية. فالبراجماتية عدوة لدودة لكل تكلف أو رطانة، فالفكرة يجب ان تكون واضحة وذات معنى ولها ما يؤكدها في عالم التجربة. يعد المنهج البراجماتي كل الأفكار التي تطرح لمناقشة "قضية ميتافيزيقيا الوجود هي إما رطانة بدون معنى، أو لامعقولة، كلمة واحدة تكون معرفة بكلمات أخرى تظل هي بحاجة إلى كلمات أخرى من دون ان يكون هناك تصور واقعي قد تم بلوغه" (423-5). ولذلك فإننا نرى ان بيرس يعد هذا «النوع من البحث محض هراء ويجب ان يستبعد تماماً، وما يجب ان يبقى من الفلسفة هو سلسلة من القضايا القابلة للتمحيص أو الاختبار بواسطة مناهج العلوم الحقيقية القائمة على الملاحظة»(423-5)، فقيمة الفكرة بالنسبة للبراجماتية «ليست في الصور والأشكال التي تثيرها، وليست في انطباقها على حقائق الموجودات وإنما في الأعمال التي تؤدي إليها هذه الفكرة، وفي التغييرات التي تنتجها في الدنيا المحيطة بنا، ولا يهم في هذه الحالة حقائق الأشياء في ذاتها لأننا نستطيع ان نفرض هذه الحقائق كيفما اتفق، فما جميع هذه الاحساسات إلا علامات ومعالم تقود العقل إلى التصرف والسلوك»(27) فالبراجماتي «يولي ظهره بكل عزم وتصميم - إلى غير رجعة- لعدد كبير من العادات الراسخة المتأصلة العزيزة على الفلاسفة المحترمين... انه ينأى بعيداً عن التجريد وعدم الكفاية وعن الحلول الكلامية ويعرض عن التحليلات القبلية وعن المبادئ الثابتة وعن ضروب المطلق والأصول المزعومة وهو يولي وجهه... شطر الحقائق والوقائع، شطر العمل والمزاولة وشطر القوة»(28). فالمنهج البراجماتي بهذا المعنى هو «عودة إلى المشخص، والى الفعل، أهمية هذا المنهج يكمن في انه قادر على تغيير موقفنا من المشكلات الفلسفية إذا ما اتخذنا منها دليلاً ومعياراً لسلوكنا وتفكيرنا وهو يحول النظرية إلى أدوات بعد ان كانت حلولاً لمعضلات،وتهمل السياق وأصل الفكرة وماهيتها والمعطيات والبنى والوظائف»(29)، وهذا بحد ذاته يعد انعطافة وتغيراً في وجهة البحث الفلسفي نحو الإنسان من جديد وترك ما هو نظري والاتجاه إلى ما هو عملي، يجمع بين الفكر والعمل محاولاً ان يجعل الأفكار قواعد للسلوك.
وبذلك تبقى البراجماتية اتجاهاً وليس مذهباً بالمعنى المألوف للكلمة، فهو (أي المنهج البراجماتي) «لا يأخذ بصحة معتقداته أو مبادئ معينة على سبيل الجزم أو اليقين إنما يمكن اعتباره اتجاهاً يجمع بين عدد من المشتغلين في الفلسفة في اطار من شأنه ان يقارب بين مواقفهم ازاء تناولهم مشكلات الفلسفة التقليدية بالدراسة والتحليل»(30).

الهوامش
ـــــــ
(*)
استاذ الفلسفة المساعد في كلية الاداب الجامعة المستنصرية، معهد الابحاث والتنمية الحضارية.
(1)
البعلبكي، منير: المورد، بيروت، دار العلم للملايين، 1977، ص.
(2)
صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ج1، ص203. وكذلك انظر: جيمس، وليم: البراجماتية، ص65.
(3)
صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، ص203-204.
(4)
الشنيطي، محمود فتحي: وليم جيمس، دار الحمامي للطباعة، مصر، 1957، ص92.
(5)
جود، س، ي: مدخل إلى الفلسفة المعاصرة، ترجمة: محمد شفيق شيا، مؤسسة نوفل، بيروت، لبنان، ط1،1981، ص89.
(6)
صليبا: المعجم الفلسفي، ج1، ص204.
(7)
فام، يعقوم: البراجماتزم، دار الحداثة، بيروت، 1985، ص158.
(8)
دوي، جون: نمو البراجماتية، مقال من كتاب فلسفة القرن العشرين، تأليف رونز واجبورت، ترجمة: عثمان نوية، دار الكتاب العربي، القاهرة، ص243-244.
(9)
فايهنجر (1852-1933) فيلسوف الماني، عمله الرئيس (فلسفة كأنَّ) 1911.
(10)
حنفي، حسن: مقدمة في علم الاستغراب، الدار الفنية، مصر، 1991.
(11)
هو فردناند سكوت شلر Ferdinand Caning Scott، فيلسوف إنكليزي ولد في ألمانيا عام 1864 ومات في اغسطس عام 1937 وزميل كلية كوركيس كريستي في جامعة اكسفورد، وفي آخر حياته اصبح استاذاً للفلسفة في جامعة كاليفورنيا الجنوبية.
(12)
شلر: المذهب الإنساني، نصوص مختارة من كتاب عثمان أمين: شلر، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، مصر، ص131، والكتاب نفسه، ص48.
(13)
شلر: المذهب الإنساني، نصوص مختارة من كتاب عثمان أمين: شلر، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، مصر، ص131، والكتاب نفسه، ص48.
(14)
للتعرف على محتوى هذه الرسائل راجع كتاب (آراء وشخصية وليم جيمس) لمؤلفه رالف بارتون بيري، ص464.
(15)
بيري، رالف بارتون: آراء وشخصية وليم جيمس، ترجمة: محمد علي العريان، دار النهضة العربية، القاهرة، 1965، ص466
(16)
المصدر نفسه، ، ص467.
(17)
صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، ج ، ص204.
(18)
الاستخدام هنا لكتاب بيرس بحسب نظام الفقرة وليس نظام الصفحة فجاء الترتيب من اليسار إلى اليمين، الجزء ثم الفقرة بهذا الشكل (1-5) أي الجزء الخامس الفقرة الاولى، فهامش هذا النص يكتب هكذا Peirce: collected Papers (5.1)، وسنتبع هذا النظام في جميع فصول الكتاب.
(19)
الاهواني، احمد فؤاد: جون دوي، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، ص86.
(20)
دوي، جون: نمو البراجماتية، من كتاب فلسفة القرن العشرين، دار الكتاب العربي، القاهرة، ص232.
وكذاك: Hjalimar: The pragmatism of C.S. Peirce, P.24 & Peirce: Collected papers (5.412)
وكذلك: الاهواني: جون دوي، ص87.
(21)
أحد مفكري ومثقفي أمريكا في نهاية القرن التاسع عشر، شارك في تأسيس النواة الأولى للبراجماتية، ومات قبل ان ترى البراجماتية النور. تأثر به (بيرس) وكذلك (جيمس).
(22)
الكسندر باين (Alexander Bain) (1818-1903) ينحدر من اصل اسكتلندي شغل كرسي الاستاذية في المنطق في جامعة ايردين، ويرجع الفضل له في احتلال المدرسة التجريبية الانكليزية المكانة التي تستحقها في الاوساط الاكاديمية أهم مؤلفاته (الحواس والعقل) و(الانفعالات والارادة). راجع حول شخصيته وفكره كتاب الفلسفة الانجليزية في مائة عام لمؤلفه رردلف متس، ترجمة فؤاد زكريا، دار النهضة العربية، مصر، ص77.
(23)
بيري، رالف بارتون: آراء وشخصية وليم جيمس، ص77.
(24)
المصدر نفسه، ص178.
(25)
جيمس، وليم: البراجماتية، ص63-64.
(26)
المصدر نفسه، ص51.
(27)
فام، يعقوم: البراجماتزم، ص151.
(28)
جيمس، وليم: البراجماتية، ص71.
(29)
الآغا، محمود: المنهج البراجماتي- أصوله ومحتواه، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 8/9 سنة 1980-1981، ص68.
(30)
إسلام، عزمي: اتجاهات الفلسفة المعاصرة، دار وكالة المطبوعات، الكويت، ص41.