الاثنين، 30 نوفمبر 2015

كيف تختار مشرفا لرسالتك(ماستر ماجستير أو دكتوراه)؟


استبيان اختيار المشرف
(موجه لطلبة الماستر ،الماجستير والدكتوراه)

• هل المشرف الذي تريد العمل تحت إشرافه مؤهل للإشراف على رسائل التخرج(ماستر،ماجستير أو دكتوراه؟ نعم لا
• هل بقي لديه سنتين على الأقل على التقاعد؟ نعم لا
• هل هو مستقر بالمؤسسة التي يدرس بها (ليس لديه نية التحويل إلى مؤسسة أخرى)؟ نعم لا
• هل هو متفرغ على العموم للطلبة والباحثين الذين يشرف عليهم؟ نعم لا
• هل لديه كفاءة في المجال الذي تبحث فيه؟ نعم لا
• هل يمكن أن يكون لديه اهتمام بالموضوع الذي تبحث فيه؟ نعم لا
• إذا كان يعرفك من قبل ، هل حفزك على العمل تحت إشرافه؟ نعم لا
•هل يسقف عدد الطلبة الذين يشرف عليهم؟ نعم لا
• هل يقبل أن يكون للطلبة طريقة عمل تختلف عن طريقته ؟ نعم لا
• هل يدير ملتقى أو ورشة بحث لفائدة الطلبة الذين يعملون تحت إشرافه؟ نعم لا

المرجع :ميشال بو
هدا الاستبيان موجه إلى الطلبة والباحثين المقبلين على إعداد مدكرات تخرج ماستر أو ماجستير ورسائل دكتوراه : وهو يساعد هؤلاء في إختيار المشرف الذي يشرف على أعمالهم من خلال محاولة الإجابة على الأسئلة المطروحة ثم إتخاذ القرار المناسب كما يلي:
– الإجابة ب”نعم” على أقل من 5 أسئلة يعني صرف النظر والبحث عن مشرف آخر
– الإجابة على 5 إلى 7  أسئلة ب “نعم” يعني قبول هذا المشرف مع الأخذ بعين الاعتبار لمساوئه.
– اإجابة على أكثر من 7 أسئلة ب” نعم ” تعني الإسراع في الحصول على خدمات هذا المشرف وعدم التفريط فيه.
ملاحظة :إن تطبيق هذا الاستبيان لا يعني إخضاع المشرف للإجابة عليه ولكن يجيب عليه الباحث من خلال إنطباعاته ومعلوماته المتوفرة حول هذا المشرف.

الأحد، 29 نوفمبر 2015

لمحة عن الأسطورة (فى الطفولة والجنون والإبداع والتصوف).



د. رفعت محفوظ

تعبر الأسطورة عن الوحدة الشاملة بين الإنسان والعالم، فالإنسان القديم أحس فى أعماقه أن حياته ترتبط بنظام الكون ولا تنفصل عنه وأن جذوره مغروسة فى الطبيعة،وجاءت الأسطورة كتعبير مباشر عن وحدة الوجود وعن حضور الإنسان المباشر فى العالم وعن وعيه بهذا الوجود. والفكر الأسطورى – فى نظر بعض المفكرين – هو أساس كل نشاط شامل وموحد للفكر الإنسانى، موضوعه دائماً الواقع الكلى والمطلق.

تفسير الأسطورة:

هناك وجهات نظر عدة لتفسير الأسطورة، سوف نكتفى هنا بالإشارة إلى أهمها .. فوجهة النظر الوجودية ترى أن الأسطورة لا يمكن تفسيرها بالرمز والتورية ولكنها تحتوى فى ذاتها على تفسيرها، والوعى الأسطورة يشمل الوحدة الأصلية للشعور والعالم، الوحدة السابقة على التأمل وانعكاس الذات على نفسها. أما التفسير المجازى فيعتبر الأسطورة قصة مجازية الهدف منها إخفاء معنى عميق لمنع نتسرب حقائق عظيمة إلى أيدى من يسئ إليها. والتفسير الرمزى يرى فى الأسطورة قصة رمزية تعبر عن فلسفة كاملة وجدت فى عصور قديمة. ولقد اعتبر فرويد – من منطلق التفسير النفسى – الأسطورة كشئ يعبر عن دوافع وقوى نفسية دائمة غير معترف بها، ولذلك أطلق على هذه الداوفع أسماء شخصيات أسطورية أغريقية، فى حين أن رؤية يونج للأسطورة،و هى من أعمق التفسيرات النفسية، ترى أن الأساطير العظيمة هى النماذج الأصلية "للاشعور الجماعى" أو "النفس الموضوعية"، حين نجد هذه الأساطير دائما وأبدا وإرادة عبر تاريخ البشرية وآدابها فى جميع أنحاء العالم، أنها تصور أعمق أفكار الجنس البشرى وأحاسيسه. أما المدخل الأنثروبولوجى لتفسير الأسطورة فيعتبرها نتاج تركيبات العقل البشرى المتناغمة، وبعد أن تأخذ الأسطورة مكانها بين مجموعة معينة نجد أنها تأخذ مكانها فى تركيبة عقلية محددة، وبناء على ذلك فأنه، فى النهاية، سوف تتجلى الأسطورة أكثر اتساقا من التاريخ.
 

بين الأسطورة والفلسفة:

يعتبر بعض المفكرين أن الفلسفة قد اكتشفت فى الأسطورة البناء الوجودى، والصورة الأصلية التى تعبر عن ارتباط الإنسان بالواقع والحياة، ويكون العلو الدينى حالا فى الواقع المحسوس وليس مفارقاً له.

وقد اعتبر بعض فلاسفة اليونان أن الأسطورة هى الحقيقة فى صورتها الرمزية، وعلى الفلاسفة أن يرفعوا الحجاب عن هذه الحقيقة الرمزية، فكأن الأسطورة تخفى الحقيقة، وتجئ الفلسفة لإظهارها. إذن فالوعى الفلسفى – عند البعض – نشأ عن الوعى الأسطورى، والفكر الأسطورى سابق على الفكر الفلسفى الذى حاول بقدر المستطاع أن يستقل عنه.

بين بعض المظاهر النفسية والطبنفسية والأسطورة:

1- فى مراحل نمو الطفل نجد أن وجه الشبه شديد بين تفكير الطفل فى هذه المراحل، وعلاقته بالعالم حوله، وبين التفكير الأسطورى،. فعلى سبيل المثال، فى مرحلة معينة يميل الطفل إلى إضفاء المشاعر والدوافع والقدرة إلى كل الأشياء – الجماد واللاجماد – وهو ما يسمى بالأنسنة Animism، وهو بذلك يعامل الجماد على أنه كائنات حية ويقيم معها علاقات عاطفية.. وهذه الظاهرة شديدة الشبه بالتفكير الأسطورى الذى لا يعرف جماداً، والإنسان فيه يعامل كل ما حوله معاملة "الصنف" لنفس "الصنف" ويقيم معه علاقة "الأنا" بالـ "أنت".

وهناك ظاهرة أخرى عند الأطفال وهى أن الكلمة أو الفكرة (رمز) تساوى الفعل (حدث واقعى)، والرغبة تساوى تحققها فى الواقع، وما قد يترتب على ذلك من إحساس النصر أو الزهو أو إحساس بالذنب. أيضاً فى مرحلة معينة لا يقيم الطفل حدوداً واضحة بين الخيال والواقع والحلم والحقيقة .. كل ذلك من سمات التفكير الأسطورى الذى لا يميز بين الرمز والمرموز إليه، ولا يميز بين الأحلام والأوهام والرؤية العادية، ولا بين الأحياء والأموات، والجزء فيه يقوم مقام الكل. كما أن الصفات والأفكار المجردة تتجسد أيضا.

كذلك يمكن القول بأن نوع الإدراك الموجود لدى الأطفال الصغار والذى يسمى "بالحاسة السادسة" Extrasensory Perception هو إدراك "قبل – لفظى" يعيننا على فهمه تصور قيام علاقة مباشرة بين الطفل والعلم كتلك العلاقة الموجودة فى الحياة الأسطورية. وبصفة عامة، فإن مقارنة العمليات المعرفية Cognitive Processes عند الأطفال فى مراحل نموهم الأولى والتى يطلق عليها – إجمالا – العملية الأولية Primary Process thinking بالتفكير الأسطورى سوف توضح لنا وجود الكثير من أوجه الشبه، وتعيننا على معرفة نوع العلاقات والارتباطات فى كل منهما.

2- فى بعض حالات الجنون يفقد صاحب الخبرة الجنونية حدود ذاته التى تكونت خلال مراحل نموه المختلفة، ويتفجر بداخله الينبوع الأصلى للحياة متصلا ينبض الكون من حوله .. إذن فهى الحياة الأسطورية المعبرة عن انغماس الإنسان فى قلب الوجود فى صورة غير متميزة بعد .... وبالرغم من رحلة الإنسان الطويلة منذ أن بدأ انفصاله التدريجى عن الطبيعة حتى وصل إلى درجة شديدة من الاغتراب عنها والاغتراب عن جوهر ذاته .. بالرغم من ذلك فإن نقطة البداية اللامتميزة ما زالت كامنة فى أعماقه كما أنها قادرة على أن تستعيد نشاطها بهذه الصورة الجنونية الفجة .. وبتعبير آخر، فإن التركيبة المخية الأسطورية الأولية عادت تعمل فى اندفاعة شديدة فعوقت نشاط كل التركيبات المخية اللاحقة فى سلم التطور الإنسانى.

فى مقابل تلك الخبرات نجد وصف بعض المرضى النفسيين لمظاهر الاغتراب عن الذات وعن العالم المحيط، وما يحسونه نتيجة لذلك من "خواء" و "فراغ" وفقدان "لمصدر الحيوية والطاقة" فى داخلهم وفقد علاقاتهم "بأجسادهم نفسها" كل ذلك قد يصل إلى حد الإحساس "بعدم الوجود" أو "الموت" أو فقدان "الحياة الحية". هذه المظاهر المرضية يمكن رؤيتها على أنها النقيض لما تعبر عنه الاسطورة من علاقة الإنسان الحميمة بالوجود ومعايشة الحياة والإحساس بنبضها فى داخله. وبناء على ذلك هل يمكننا القول بأن فرط التجريد والتجاوز لدرجة فقد الصلة التامة بالمستوى البيولوجى فى داخل مثل هؤلاء المرضى، وهو ا لمستوى المقابل للمستوى الذى كان يعيش به الإنسان حياته الأسطورية الأولى: قد نتج عنه فقدانهم لعلاقاتهم الحيوية بذواتهم وأجسامهم والكون من حولهم؟!

وفى بعض حالات الجنون الأخرى نواجه بمنظومة محكمة من الأفكار والاعتقادات الضلالية التى لا تخضع للمنطق العادى، وهذه المنظومة الضلالية لو احسنا الاستماع إليها لوجدنا أن وجه الشبه كبير بينها وبين منطق وتركيب الأسطورة، فى حين نجد أنها بعيدة كل البعد عن عالم المنطق والواقع العاديين .. وقد تعيش هذه الضلالات (الأسطورية) جنبا إلى جنب مع التفكير المنطقى العادى فى الشخص نفسه.

بين الأسطورة والتصوف:

قد يكون من الغريب أن نحاول رؤية وجه شبه – من زاوية معينة – بين الوجود البشرى فى مرحلته الأسطورية وبين الوجدو البشرى فى حالات التصوف.. فإذا تذكرنا أن الأسطورة تجعل الذات تشارك فى الموضوع، والموضوع يشارك فى الذات, والإنسان يتمثل الوجود على صورته، ويفسر الواقع تفسيرا حيويا، أى أن الأسطورة هى التعبير المباشر عن وحدة الوجود، وأن التصوف حالة من حالات الإنسان التى يتواصل فيها مع حقائق الوجود ويصفى إلى كل شىء فى الكون، ويصل إلى جوهر ذاته، ويصبح كلا موحدا موجها جميع أبعاده إلى منطلقها الأول، لو تذكرنا ذلك قد يتضح لنا وجه الشبه.

ولكن ذلك هو وجه الشبه بين "البداية" و "النهاية" بالرغم من بعد الشقة بينهما .. هو وجه الشبه ما بين "القبل" و "والبعد" على طريق التطور البشرى .. وهو وجه الشبه ما بين حالة "اللاتمايز" Undifferentiation وحالة الولاف" Synthesis فى مسيرة النمو المبدع . . الوجود الأسطورى هو بداية المطاف، والتصوف الايجابى هو نهايته، وما بينهما يقع تاريخ الإنسانية وشرف المعاناة .. الأسطورة الفجة هى جنة ما قبل الوعى، والتصوف هو جنة الوعى الفائق.

كذلك تجدر الإشارة هنا إلى أنه فى الأسطورة يكون العلو الدينى خالا فى الواقع المحسوس وليس مفارقا له، وفى التصوف لا تدرك الأشياء بمعزل عن اتصالها بالله، وتكون حياته المتصوف مظهرا تتجلى فيه الألوهية، وبين هذا وذاك تقع أنواع ودرجات التدين المختلفة من حيث مدى معايشة هذا الاتصال، فى حين أن الإلحاد، كما يراه بعض المفكرين، هو "النظرة إلى الأشياء على أنها مستقلة عن أصولها وغاياتها ومعانيها".

أهمية دراسة الأسطورة:

دراسة الأسطورة هى دراسة جزء أصيل من الملحمة الإنسانية، تدلنا على عمق التراث الذى يملكه الإنسان فى داخله، وتوقظ لدينا الصلة الأصيلة بالكون، وعلاقة التناغم والانسجام معه، ومن هذا المنطلق فإن إهمالها فى عصرنا الراهن – بحجة أى إدعاء – هو إهمال لجذور تاريخ الوجود الإنسانى، ويمكن اعتبار دراسة الأسطورة (الوجود البشرى فى مرحلة الأسطورة) كدراسة مسودة الوجود الإنسانى وما يحتويه من علاقات كونية وبذور النشاطات الإنسانية المختلفة التى تمايزت واتضحت معالمها على مر العصور، وقد يتضح لنا من دارسة تلك المسودة أبعادا فى لغز الوجود الإنسانى أكثر ثراء من نتائج الدراسات العقلية الوضعية للوجود الإنسانى الحالى وما يعانيه من تجزئ كيانه.

ويكتسب هذا النوع من الدراسة أهيمته وفائدته الكبرى إذا وضع فى إطار اللغة البيولوجية أو "لغة المخ البشرى"، حيث ترى هذه اللغة أن المخ البشرى هو "مجموعة أمخاخ" أو تركيبات مخية متعاقبة فى تصاعد "هيراركى" تمثل مراحل تطور الإنسان، والإطار المقابل لهذه اللغة – على المستوى النفسى – هو رؤية التكثر أو تعدد الذوات – أو الشخوص – أو "حالات الأنا" داخل الإنسان الفرد الواحد.

ومن هذا المنطلق يكتسب المنهج الأنثروبولوجى لدراسة الأسطورة أهيمته حيث يرى اتساق مجموعات الأساطير المختلفة تعبيرا عن أنها نتاج تركيبات عقلية (مخية) متتابعة فى سلم تطور العقل (المخ) البشرى، وكذلك يتضح لنا مدى عمق مدخل يونج فى رؤيته لعلاقة الأساطير المختلفة بعناصر "اللاشعور الجماعى" أو "النفس الموضوعية" وهى القاسم المشترك الأعظم بين جميع البشر.
 

ودراسة الطفولة، مع استخدام المناهج المناسبة لعمق الدراسة، هى – من منظور معين – دراسة مستويات المخ المتوارثة، ودراسة المستويات البيولوجية الوجودية التى أنتجت فى الأزمان القديمة الأسطورة واعتقدت فيها، وكان تفكيرها أسطوريا وعلاقتها بالوجود علاقة أسطورية، ويتضح لنا من خلال هذا النوع من الدراسات مدى علاقة الأنتوجونى (تطور الإنسان الفرد) بالفيلوجينى (تطور الإنسان كنوع). ودراسة الجنون بهدف التعرف على إمكانيات وعمق الوجود البشرى، تضعنا وجها لوجه أمام ما نحاول طمسه والاغتراب عنه فى داخلنا من مستويات بيولوجية وعلاقات كونية ورثها إنسان العصر الحالى عن جدوده الذين عاشوا الأسطورة. ودراسة الإبداع فى الذات (النمو النفسى وقمته التصوف) هو دراسة عملية تلاحم وتكامل وصهر تلك المستويات – التى عايناها فى مراحل الطفولة والجنون – مع المستويات الأحدث من المخ البشرى والوجود الإنسانى وذلك لعلم ولاف جديد، ودراسة الإبداع فى مجالاته المختلفة هو دراسة لنتاج عملية الانسجام، والتناغم الداخلى الذى يحدث بين مستويات الوجود داخل الشخص المبدع مع التعبير عن ذلك بلغة تواصلية.

والآن، كيف نستطيع فى عصرنا الحالى أن نعمى عن رؤية تلك الشواهد التى تدل على مدى أبعاد الوظيفة الإيجابية للاسطورة فى عالمنا المعاصر؟! هل تغنينا العقلية الوضعية حينما تتجاهل الأبعاد المتعددة للوجود الإنسانى عن مثل هذه الوظيفة الإيجابية؟! ولو كان ذلك كذلك فلم كل هذا الاغتراب الذى تعانى منه الحضارة نتاج هذه العقلية؟

خلاصة القول ...

يمكننا اعتبار الفكر الأسطورى نتاج تركيبات (تنظيمات) مخية هى من مكونات مخ كل إنسان فرد، ووجود هذه التركيبات المخية هو المسئول عن وجود واستمرار الأسطورة بين جميع الشعوب، وعن كونها تعيش فى وجدان هذه الشعوب .. وعندما تستعيد هذه التركيبات المخية نشاطها بصورة بدائية فجة يكون نتاج ذلك هو الجنون .. ولكن فى حالة استعادة النشاط وهى ما زالت تحت سيطرة التركيبات المخية الأحدث وهى فى تبادل معها وتوافق ونتاج مشترك، فإن ذلك يؤدى إلى النمو المبدع الذى يظهر نتاجه فى الذات وفى الإنتاج الأدبى والفنى والعلمى بأنواعه المختلفة.

المراجع

1- ما قبل الفلسفة. تأليف هـ. فرانكفورت، هـ. أ. فرانكفورت، جون أ. ولسون، توركيلد جاكوبش. ترجمة جبرا إبراهيم جبر. منشورات مكتبة الحياة – فرع بغداد.
2- أساطير إغريقية. الجزء الأول – أساطير البشر. تأليف د. عبد المعطى الشعرواى. القاهرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1982.
3- الأساطير – دراسة حضارية مقارنة. تأليف الدكتور أحمد كمال زكى. بيروت – دار العودة، الطبعة الثانية، 1979.
4- الفكر الفلسفى. تأليف الدكتورة نازلى إسماعيل حسين. كلية الآداب – جامعة عين شمس، 1982.
5- ما يعد به الإسلام. تأليف روجيه جارودى. ترجمة قصى أتاسى وميشيل واكيم. دمشق. دار الوثبة، 1982.
6- دراسة فى علم السيكوباثولوجى (شرح: سر اللعبة). تأليف د. يحيى الرخاوى. القاهرة – دار الغد للثقافة والنشر،
1979.

الجمعة، 27 نوفمبر 2015

الفلسفة البراجماتية أصولها ومبادئها



الفلسفة البراجماتية
أصولها ومبادئها(1/2)

الدكتور علي عبد الهادي المرهج(*)


ظهرت الفلسفة البراجماتية على يد الفيلسوف الأمريكي تشارلس ساندرس بيرس وعرفت بشكل واسع على يد الفيلسوفين وليم جيمس وجون دوي. ربطت هذه الفلسفة بين الفكر والعمل، ونادت بالقول ان (قيمة أي فكرة تكمن في فائدتها العملية) والجديد في هذا المبدأ هو وضع الفائدة العملية في المقام الأول، ويبدو هذا المبدأ الذي وضعه بيرس كمبدأ رئيس من مبادئ وضوح الفكر ومعناه، نتيجة منطقية لانعدام الحس التاريخي لدى الشعب الأمريكي، الذي يحاول أن يكون صانع مستقبل كحالة تعويضية عن فقدانه الجذر التاريخي، فأمريكا تحاول ان تؤصل حاضرها تجاه الماضي الأصيل للشعوب الأخرى، ولا سبيل أمامها لتحقيق هذا الهدف سوى بناء قاعدة معرفية تنطلق منها، وقد شكلت براجماتية بيرس تلك القاعدة التي استقرأت حقيقة تفكير الإنسان الأمريكي، الذي لا يسأل عن النشأة (الماضي) بقدر ما يسأل عن النتيجة (المستقبل)، وقد أصبحت هذه القاعدة هي الميزة الأساسية التي تميز الفكر الأمريكي من الفكر الأوربي.
المشكلة هنا هي أن قاعدة (الآثار والنتائج العملية) هذه لم تعرف لدى الدارسين العرب بصيغتها عند واضعها (تشارلس بيرس)، بل عرفت بالصياغة التي وضعها لها وليم جيمس وجون دوي. ذلك أن جهود الباحثين العرب في محاولتهم لنقل الفكر البراجماتي انصبت على ما كتبه هذان الفيلسوفان، فكان نصيب وليم جيمس وجون دوي من الدراسة والبحث والترجمة- لكونهما مشهورين إعلاميا أو لكونهما تركا كتبا لا تتطلب سوى الترجمة المباشرة أو الاعتماد المباشر عليها- اكبر من نصيب زميلهما (تشارلس بيرس) لذا ترجمت أعمالهما،واعتمدت بشكل يكاد يكون كاملا في توضيح معنى البراجماتية، وقد اصبح القارئ العربي يعرف البراجماتية من خلال ماكتبته هاتان الشخصيتان أو ما كتب عنهما من مؤلفات، اما بيرس الذي لم يترك لنا سوى أوراق غير منشورة ومقالات نشر مجموعة منها في الصحف- فقد ظل مختفيا خلف كلمة (مؤسس) البراجماتية، لكن فكر هذا الفيلسوف وجهده الأساس في بناء المنهج البراجماتي، ظل مجهولا لدى القارئ العربي.
لذلك سينصب جهدنا في هذا البحث لتوضيح معنى البراجماتية لغة واصطلاحا، وكيفية النشأة ودور بيرس في وضع الأساس الذي انطلق منه المنهج البراجماتي بالشكل الذي نعرفه، مع توضيح أن البراجماتية لها ما يميزها، بوصفها فلسفة معاصرة من حيث تأكيدها على عدم الأيمان بالأنساق الميتافيزيقية والإيمان بالقانون العلمي، وميلها إلى تحليل المفاهيم والمصطلحات ونقدها للميتافيزيقيا.
معنى البراجماتية
البراجماتية لغة:
تعني البراجماتية لغة:
1-
الاستشراف العملي و (البراجماتي) يعني العملي(1).
2-
البراجماتية لفظ مشتق من اللفظ اليوناني (برغما Pragma) ومعناه العمل، وتأتي منه كلمة (مزاولة)(2).
البراجماتية اصطلاحاً:
أما المعنى الاصطلاحي لكلمة البراجماتية فهو وبصورة محددة يطلق على أحد المذاهب الفلسفية التي ظهرت في اميركا على يد تشارلس ساندرس بيرس (1878م) وتطور على يد وليم جيمس وجون دوي. يقرر هذا المذهب ان «العقل لا يبلغ غايته إلا إذا قاد صاحبه إلى العمل الناجح، فالفكرة الصحيحة هي الفكرة الناجحة أي الفكرة التي تحققها التجربة. ولا يقاس صدق القضية إلا بنتائجها العملية»(3)، وهذا يعني ان النتائج أو الثمار المستحصلة هي التي تحدد قيمة أي فكرة، فهي التي تقطع الشك باليقين كما ترى البراجماتية.
اقسام الفلسفة البراجماتية:
تقسم البراجماتية كغيرها من المدارس الفلسفية الأخرى إلى عدة اقسام بتعدد فلاسفتها (على الرغم من انها اتجاه في الفلسفة) فهناك:
1-
براجماتية بيرس التي سنتناولها في بحثنا هذا.
2-
براجماتية جيمس التي سماها فيما بعد (التجريبية المتطرفة) فهو (جيمس) يعد «كل ما تقوم عليه التجربة فهو حقيقي واقعي، وكل ما هو واقعي تقوم عليه التجربة»(4). الوعي عند جيمس تيار مستمر تجري تجزئته إلى موضوعات وعلاقات بين الموضوعات(5) وذلك بفعل تدخل العقل، وهذه التجربة لا تجري بشكل اعتيادي وانما تمليها مصالحنا وغاياتنا وربما مزاج المدرك كذلك(6).
3-
هناك نوع آخر من البراجماتية هي براجماتية دوي التي سماها باسم (الاداتية Instrumentalism) أي ان «النظرية آلة واداة للتأثير في التجربة وتبديلها، أو المعرفة النظرية وسيلة لزيادة قيمة التجارب السابقة من حيث دلالتها المباشرة»(7) فالنظرية الآلية تحسب «ان العقل آلة يستخدمها الإنسان للمحافظة على الحياة أولا وفي تنميتها ثانياً» ويعبر عنها دوي بالقول ان الاداتية «هي محاولة لتكوين نظرية منطقية دقيقة للمدركات العقلية والاحكام والاستنباطات في شتى صورها وذلك عن طريق البحث اولا في الكيفية التي يؤدي بها الفكر وظيفته في التحديد التجريبي للنتائج المستقبلة»(8).
4-
وهناك اتجاه في الفلسفة البراجماتية ظهر في ألمانيا وهو نوع متطرف من البراجماتية تأسس على يد فايهنجر(9)، سمي فلسفة (الوهم) وهذا النوع يرى «ان المبادئ الرئيسية في العلوم الطبيعية والرياضيات والفلسفة والأخلاق والدين والقانون مجرد أوهام. وعلى الرغم من ان الحقائق الموضوعية تنقصها إلا انها مفيدة للعمل»(10) ويبدو ان هذا الاتجاه لم يلق نجاحاً في المانيا نتيجة لوجود تيارات فلسفية كبيرة متجذرة في المانيا، فكيف لألمانيا ان تستقبل تياراً فلسفياً وافداً والفلاسفة الألمان هم أركان الفلسفة في العالم الحديث.
5-
أما النوع الآخر من البراجماتية فهي براجماتية شلر(11) التي سماها (الإنسانية) أو المذهب الإنساني (Humanism) وقد ظهر المذهب في إنكلترا في مدة مقاربة لظهور البراجماتية في أمريكا، ويتلخص هذا المذهب في ان «إدراك الإنسان ان المشكلة الفلسفية تخص كائنات بشرية، تبذل غاية جهدها لتفهم عالم التجربة الإنسانية وزادها في ذلك أدوات الفكر البشري وملكاته»(12). فلسفة شلر هي فلسفة إنسانية يؤثر فيها الإنسان تأثيراً كبيراً، فالفلسفة عند شلر وجدت لحل مشاكل الإنسان ومعالجتها.
6-
ومثلما امتد تأثير البراجماتية إلى بريطانيا ظهرت أيضا في إيطاليا، حيث تبناها الايطالي الشاب بايني الذي قال عن البراجماتية بأنها «تكمن وسط نظرياتنا مثل الرواق أو الدهليز في فندق فهو يفضي إلى عدد لا حصر له من الغرف ويفتح عليها. ففي احدها قد نجد رجلاً منكباً يكتب سفراً في علم الجمال، وفي الغرفة المجاورة لها قد نجد شخصاً ساجداً يدعو الله ان يهبه الإيمان والقوة وفي الثالثة نجد كيميائياً يبحث في خصائص أحد الاجسام، وفي غرفة رابعة نجد نظاماً من الميتافيزيقيات المثالية في طور المخاض والابتداع، وفي غرفة خامسة نجد من يثبت استحالة الميتافيزيقا.ولكن الرواق أو الممر أو الدهليز ملكهم جميعهم. ومن المحتم على كل منهم ان يمر خلاله إذا اراد طريقاً عملياً للدخول إلى غرفته أو الخروج منها»(13).
وكذلك ظهر لهذا الاتجاه ما يماثله في فرنسا على يد برجسون صاحب الفلسفة الروحية، وقد كان الأخير من المعجبين اشد الإعجاب بآراء وشخصية وليم جيمس حتى انهما كانا يتبادلان رسائل الإعجاب الفكري فيما بينهما(14)، ويتبين من خلال هذه الرسائل موافقة برجسون لأغلب آراء وليم جيمس على الرغم من وجود بعض نقاط الاختلاف في مذهبيهما حتى ان «جيمس قد صرح بتحوله إلى البرجسونية»(15)، «كلا الفيلسوفين قد اوليا اهتماماً للتطور البايلوجي ولكن بفرق، حيث كان برجسون اكثر بيلوجية من جيمس»(16)، «إلا ان برجسون يقترب من البراجماتية كونه يعد العقل هو القدرة على صنع الأدوات»(17) فليس المهم عند البراجماتية العقل، بل هو فعل العقل وتأثيره وما يؤدي إليه بوصفه أداة في خدمة اغراض الإنسان.
اصل البراجماتية:
يرجع اصل البراجماتية إلى تشارلس ساندرس بيرس. وقد نشأ اصطلاح البراجماتية (Pragmatic) في ذهن بيرس نتيجة "دراسته لكانط" فالانثروبولوجيا البراجماتية طبقاً لما يراه كانط - كما يقول بيرس- (هي فلسفة اخلاق عملية، فالأفق البراجماتي هو تكييف لمعرفتنا العامة في التأثير على اخلاقنا«(1-5)(18) والفرق العملي (Practical) عند كانط والبراجماتي (Pragmatic) عند بيرس هو انه عند كانط "ينطبق على القوانين الأخلاقية التي يعدها أولية (Apriori) أما العملي عند بيرس فينطبق على قواعد الفن والصنعة التي تعتمد على الخبرة وتقبل التجربة»(19) وقد كانت غاية بيرس من ذلك هو وضع تصورات واضحة تتلاءم وما يريده هو.
ان دراسة بيرس لكانط ارتبطت بجانبها العملي لأن بيرس ومنذ طفولته وبتشديد من والده كان حريصاً على ان يكون كيمياوياً مما ارتبط ذلك عنده بأن يميل في كبره إلى الاعتقاد بأن التجربة والمعمل هما الفاصل الرئيس في الحكم على صدق الفكرة أو كذبها. فالشخص الذي ما يزال يفكر باصطلاحات كانط - كما يرى بيرس- «يكون العملي (Praktisch) وPractical و(البراجماتي) بمثابة الشيء ونقيضه، وينتمي اولهما إلى منطقة من الفكر لا يستطيع فيها أي ذهن من طراز تجريبي ان يطمئن إلى صلابة الأرض التي تحت قدميه بينما الثاني يعبر عن الارتباط بهدف انساني محدد، وابرز ملامح النظرية الجديدة (البراجماتية) هو الاعتراف بوجود علاقة لا تنفصم عراها بين الادراك العقلي والغرض العقلي»(20)، فالمدلول العقلي إذن لكلمة من الكلمات انما يكون في تأثيرها على مجرى الحياة والا فلا يكون هناك معنى لهذه الكلمات ولا يوجد هناك داعٍ لتداولها.
النادي الميتافيزيقي: ولادة البراجماتية:
لقد سعى بيرس ومنذ صغره وبمساعدة والده للسير في مجال البحث العلمي، ولقد كان جل تفكيره أن تصبح له مكانة خاصة في الفكر الأمريكي في يوم من الأيام، وربما كان هذا الدافع قد تولد عنده نتيجة شهرة والده آنذاك. وقد كانت بدايته في طلب الشهرة هي محاولته أن يجد له مكاناً كأستاذ في جامعة هارفرد إلا انه لم يفلح في ذلك إلا لمدة قصيرة جداً. فما كان منه إلا أن يسعى إلى الشهرة والمجد العلمي من خلال طريق آخر وبمساعدة تشونسي رايت(21). وبعد عشر سنين من تخرجه من جامعة هارفرد قام هو ومجموعة من الشباب المتحمسين والذين يطمحون إلى ان يحتلوا مكاناً في الفكر الحديث بتأسيس حلقة فكرية تولى قيادتها فيلسوفنا تشارلس بيرس، سميت هذه الحلقة (بالنادي الميتافيزيقي). وقد كانت هذه الحلقة هي البذرة الأولى التي أثمرت ما يسمى الآن بـ(البراجماتية) وفي إحدى مذكراته يقول بيرس: "كان ذلك في أوائل السبعينات (1870) عندما اعتادت جماعة منا نحن الشباب في كامبرج العتيدة، دعونا أنفسنا على سبيل السخرية وعلى سبيل التحدي (النادي الميتافيزيقي) لأن مذهب اللاادرية كان عندئذ في أوج رواجه. وكان ينظر بازدراء شديد إلى كل الميتافيزيقيات. اعتادت الجماعة أن تلتقي أحيانا في غرفة مكتبتي وأحياناً أخرى عند وليم جيمس. ولعل بعض حلفائنا القدامى في (العصابة) لن يحفلوا اليوم بأن يذاع على الملأ أننا كنا في شهوات الشباب على الرغم من ان كل نصيبنا من شهوات الشباب لم يكن سوى الشوفان المسلوق واللبن والسكر في كل ورطة على المائدة المشتركة. فأما المستر هولمز فأعتقد انه لن يسوءه ان نقول اننا فخورون بـأن نتذكر عضويته. وكذلك العالم الموقر جوزيف وارنر. ولقد كان نيكولاس سانت جرين من اكثر الزملاء الأعضاء اهتماماً وشغفاً، وهو محامٍ ماهر ضليع في مادته، واحد حواريي بنثام. كانت قوته الخارقة في تجريد الحقيقة الحية من أثواب المصطلحات البالية هي ما لفتت إليه الأنظار في كل مكان، وكان يرى أهمية خاصة في تعريف باين (Bain)(22) للاعتقاد بأنه "هو الشيء الذي يصبح الإنسان على أساسه مستعداً للفعل (العمل) وغالباً ما كان يحض على أهمية استعمال هذا التحديد. وهذا التحديد يرينا ان البراجماتية ليست إلا نتيجة له. ولذلك أميل إلى اعتبار (باين) الجد الأول للبراجماتية، وتشونسي رايت وهو شخصية ذائعة الصيت في تلك الفترة. لم يكن ليتغيب عن اجتماعاتنا ابداً، وكنت على وشك ان اسميه (المايسترو) (أي قائد) الاوركسترا (الفرقة) ولكنه خليق بأن يوصف استاذنا في الملاكمة الذي اعتدنا وخصوصاً أنا ان نواجه لكماته ولطماته القاسية مراراً وتكراراً..)(12-5).
من الواضح ان تشونسي رايت من أهم الأعضاء في هذا النادي، وله أثراً كبيراً على بيرس ووليم جيمس، حيث كان (أستاذاً) صاحب مكانة مرموقة في دائرة اصدقائه في كامبرج(23) وقد عده جيمس «استاذاً ضليعاً في ميدان التفكير العلمي ويتقبل آرائه على اعتبار انه حجة مبينة في الدعوة إلى الأهداف والطرائق العلمية»(24). وقد كان رايت من اشد المتشبثين بالفلسفة التجريبية، وربما كان هذا هو أحد الأسباب المهمة في إعجاب بيرس ووليم جيمس بهذا الرجل.
كانت تدور في هذا النادي المناقشات والمجادلات بين أعضائه، وقد حرص بيرس على أن يدون ما كانوا يتناقشون به خشية أن ينتهي الأمر إلى الحل دون أن يترك أي ذكرى مادية وراءه، «وقد حاولت - كما يقول بيرس- أن اكتب مقالاً عرضت فيه بعض الآراء التي كنت أحبذها دائماً تحت اسم البراجماتية، وقد نشرت هذه المقالات في عام 1878 في مجلة العلوم الشهرية الشعبية عدد يناير»(12-5).
المنهج البراجماتي:
ارتبطت بداية المنهج البراجماتي بقاعدة بيرس القول المأثور كما تسمى (Maxim) «الأخذ بالنتائج العملية التي ندرك أن تفكيرنا قد يكون على علاقة بها وعندئذ يكون إدراكنا لهذه النتائج هو كل مفهومنا عن هذا الموضوع»(1- 5)، هذه القاعدة التي عدت النتائج هي مقياس صدق الفكرة أو بطلانها، وبالتالي عدها بيرس الأساس في وصولنا إلى أقصى درجات الوضوح، لذا فهو لم يكتف بذكرها ذكراً عابراً، بل يعيد القول بها في أكثر من مكان بين كتاباته، فهو يقول «لكي نتأكد من معنى أي مفهوم عقلي، يجب ان نأخذ بعين الاعتبار النتائج العملية التي يمكن أن تحصل بالضرورة من ذلك المفهوم، ومجموع تلك النتائج يشكل المعنى التام لذلك المفهوم»(402-5)(422-5)(438-5).
انطلاقاً من هذا القول المأثور أصبحت البراجماتية منهجاً في الفلسفة، ولم يتخذ فلاسفتها عند دخولهم مجال البحث الفلسفي طريقة فلسفية خاصة تجعل منهم بناة مذهب فلسفي متكامل قائم بذاته لا يقبل الزيادة أو النقصان كما فعلت المثالية أو التجريبية، بل ان المعرفة الإنسانية معرفة محددة ونسبية قابلة للتغيير بتغير ظروف الإنسان، فجميع فلاسفة البراجماتية عدوا البراجماتية منهجاً وليس مذهباً فلسفياً، «فهي اتجاه لحل المناقشات الفلسفية والمنازعات الميتافيزيقية التي لولاها (البراجماتية) وبدونها ما كان يمكن لها ان تنتهي.. (فالمنهج البراجماتي يعد) محاولة لتفسير كل فكرة بتتبع واقتفاء اثر نتائجها العملية كل على حدة»(25)، ومن الممكن ان يكون أحد أسباب ولادة المنهج البراجماتي هو ذلك الصراع بين التجريبية من جهة، والتي تخلص للوقائع الجزئية والأشياء المحسوسة والعقلية من جهة أخرى، والتي تعنى بالحاجات الروحية للإنسان، لكنها تتنكر للوقائع الجزئية والأشياء المحسوسة. وقد وجد المنهج البراجماتي ان كلا المدرستين يهمل جانباً ويهتم بجانب آخر، وكلا الجانبين مهمين، فجاء المنهج البراجماتي لكي يفي المطلبين «فهو ديني كالعقيلين ولكنه في نفس الوقت مثل التجريبية شديد الإخلاص للوقائع الجزئية والأشياء المحسوسة»(26)، فغاية المنهج البراجماتي هو توضيح الفكرة ومحاولة الوصول إلى حل النزاعات الميتافيزيقية. فالبراجماتية عدوة لدودة لكل تكلف أو رطانة، فالفكرة يجب ان تكون واضحة وذات معنى ولها ما يؤكدها في عالم التجربة. يعد المنهج البراجماتي كل الأفكار التي تطرح لمناقشة "قضية ميتافيزيقيا الوجود هي إما رطانة بدون معنى، أو لامعقولة، كلمة واحدة تكون معرفة بكلمات أخرى تظل هي بحاجة إلى كلمات أخرى من دون ان يكون هناك تصور واقعي قد تم بلوغه" (423-5). ولذلك فإننا نرى ان بيرس يعد هذا «النوع من البحث محض هراء ويجب ان يستبعد تماماً، وما يجب ان يبقى من الفلسفة هو سلسلة من القضايا القابلة للتمحيص أو الاختبار بواسطة مناهج العلوم الحقيقية القائمة على الملاحظة»(423-5)، فقيمة الفكرة بالنسبة للبراجماتية «ليست في الصور والأشكال التي تثيرها، وليست في انطباقها على حقائق الموجودات وإنما في الأعمال التي تؤدي إليها هذه الفكرة، وفي التغييرات التي تنتجها في الدنيا المحيطة بنا، ولا يهم في هذه الحالة حقائق الأشياء في ذاتها لأننا نستطيع ان نفرض هذه الحقائق كيفما اتفق، فما جميع هذه الاحساسات إلا علامات ومعالم تقود العقل إلى التصرف والسلوك»(27) فالبراجماتي «يولي ظهره بكل عزم وتصميم - إلى غير رجعة- لعدد كبير من العادات الراسخة المتأصلة العزيزة على الفلاسفة المحترمين... انه ينأى بعيداً عن التجريد وعدم الكفاية وعن الحلول الكلامية ويعرض عن التحليلات القبلية وعن المبادئ الثابتة وعن ضروب المطلق والأصول المزعومة وهو يولي وجهه... شطر الحقائق والوقائع، شطر العمل والمزاولة وشطر القوة»(28). فالمنهج البراجماتي بهذا المعنى هو «عودة إلى المشخص، والى الفعل، أهمية هذا المنهج يكمن في انه قادر على تغيير موقفنا من المشكلات الفلسفية إذا ما اتخذنا منها دليلاً ومعياراً لسلوكنا وتفكيرنا وهو يحول النظرية إلى أدوات بعد ان كانت حلولاً لمعضلات،وتهمل السياق وأصل الفكرة وماهيتها والمعطيات والبنى والوظائف»(29)، وهذا بحد ذاته يعد انعطافة وتغيراً في وجهة البحث الفلسفي نحو الإنسان من جديد وترك ما هو نظري والاتجاه إلى ما هو عملي، يجمع بين الفكر والعمل محاولاً ان يجعل الأفكار قواعد للسلوك.
وبذلك تبقى البراجماتية اتجاهاً وليس مذهباً بالمعنى المألوف للكلمة، فهو (أي المنهج البراجماتي) «لا يأخذ بصحة معتقداته أو مبادئ معينة على سبيل الجزم أو اليقين إنما يمكن اعتباره اتجاهاً يجمع بين عدد من المشتغلين في الفلسفة في اطار من شأنه ان يقارب بين مواقفهم ازاء تناولهم مشكلات الفلسفة التقليدية بالدراسة والتحليل»(30).

الهوامش
ـــــــ
(*)
استاذ الفلسفة المساعد في كلية الاداب الجامعة المستنصرية، معهد الابحاث والتنمية الحضارية.
(1)
البعلبكي، منير: المورد، بيروت، دار العلم للملايين، 1977، ص.
(2)
صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ج1، ص203. وكذلك انظر: جيمس، وليم: البراجماتية، ص65.
(3)
صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، ص203-204.
(4)
الشنيطي، محمود فتحي: وليم جيمس، دار الحمامي للطباعة، مصر، 1957، ص92.
(5)
جود، س، ي: مدخل إلى الفلسفة المعاصرة، ترجمة: محمد شفيق شيا، مؤسسة نوفل، بيروت، لبنان، ط1،1981، ص89.
(6)
صليبا: المعجم الفلسفي، ج1، ص204.
(7)
فام، يعقوم: البراجماتزم، دار الحداثة، بيروت، 1985، ص158.
(8)
دوي، جون: نمو البراجماتية، مقال من كتاب فلسفة القرن العشرين، تأليف رونز واجبورت، ترجمة: عثمان نوية، دار الكتاب العربي، القاهرة، ص243-244.
(9)
فايهنجر (1852-1933) فيلسوف الماني، عمله الرئيس (فلسفة كأنَّ) 1911.
(10)
حنفي، حسن: مقدمة في علم الاستغراب، الدار الفنية، مصر، 1991.
(11)
هو فردناند سكوت شلر Ferdinand Caning Scott، فيلسوف إنكليزي ولد في ألمانيا عام 1864 ومات في اغسطس عام 1937 وزميل كلية كوركيس كريستي في جامعة اكسفورد، وفي آخر حياته اصبح استاذاً للفلسفة في جامعة كاليفورنيا الجنوبية.
(12)
شلر: المذهب الإنساني، نصوص مختارة من كتاب عثمان أمين: شلر، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، مصر، ص131، والكتاب نفسه، ص48.
(13)
شلر: المذهب الإنساني، نصوص مختارة من كتاب عثمان أمين: شلر، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، مصر، ص131، والكتاب نفسه، ص48.
(14)
للتعرف على محتوى هذه الرسائل راجع كتاب (آراء وشخصية وليم جيمس) لمؤلفه رالف بارتون بيري، ص464.
(15)
بيري، رالف بارتون: آراء وشخصية وليم جيمس، ترجمة: محمد علي العريان، دار النهضة العربية، القاهرة، 1965، ص466
(16)
المصدر نفسه، ، ص467.
(17)
صليبا، جميل: المعجم الفلسفي، ج ، ص204.
(18)
الاستخدام هنا لكتاب بيرس بحسب نظام الفقرة وليس نظام الصفحة فجاء الترتيب من اليسار إلى اليمين، الجزء ثم الفقرة بهذا الشكل (1-5) أي الجزء الخامس الفقرة الاولى، فهامش هذا النص يكتب هكذا Peirce: collected Papers (5.1)، وسنتبع هذا النظام في جميع فصول الكتاب.
(19)
الاهواني، احمد فؤاد: جون دوي، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، ص86.
(20)
دوي، جون: نمو البراجماتية، من كتاب فلسفة القرن العشرين، دار الكتاب العربي، القاهرة، ص232.
وكذاك: Hjalimar: The pragmatism of C.S. Peirce, P.24 & Peirce: Collected papers (5.412)
وكذلك: الاهواني: جون دوي، ص87.
(21)
أحد مفكري ومثقفي أمريكا في نهاية القرن التاسع عشر، شارك في تأسيس النواة الأولى للبراجماتية، ومات قبل ان ترى البراجماتية النور. تأثر به (بيرس) وكذلك (جيمس).
(22)
الكسندر باين (Alexander Bain) (1818-1903) ينحدر من اصل اسكتلندي شغل كرسي الاستاذية في المنطق في جامعة ايردين، ويرجع الفضل له في احتلال المدرسة التجريبية الانكليزية المكانة التي تستحقها في الاوساط الاكاديمية أهم مؤلفاته (الحواس والعقل) و(الانفعالات والارادة). راجع حول شخصيته وفكره كتاب الفلسفة الانجليزية في مائة عام لمؤلفه رردلف متس، ترجمة فؤاد زكريا، دار النهضة العربية، مصر، ص77.
(23)
بيري، رالف بارتون: آراء وشخصية وليم جيمس، ص77.
(24)
المصدر نفسه، ص178.
(25)
جيمس، وليم: البراجماتية، ص63-64.
(26)
المصدر نفسه، ص51.
(27)
فام، يعقوم: البراجماتزم، ص151.
(28)
جيمس، وليم: البراجماتية، ص71.
(29)
الآغا، محمود: المنهج البراجماتي- أصوله ومحتواه، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 8/9 سنة 1980-1981، ص68.
(30)
إسلام، عزمي: اتجاهات الفلسفة المعاصرة، دار وكالة المطبوعات، الكويت، ص41.



الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

تحميل كتاب الوجود والماهية والجوهر pdf مجاناً تأليف بول ريكور | مكتبة بوكس ستريم

 

حصرياً تحميل وقراءة كتاب الوجود والماهية والجوهر pdf مجاناً تأليف بول ريكور ضمن تصنيف فلسفة ومنطق.

الكتاب يناقش الانظمة الفعالة لعنوان الكتاب بشي من التفصيل المتقن علم الوجود، أحد مباحث الفلسفة، وهو العلم الذي يدرس الوجود بذاته، الوجود بما هو موجود، مستقلاً عن أشكاله الخاصة، ويُعنى بالأمور العامة التي لا تختص بقسم من أقسام الوجود، الواجب والجوهر والعرض، بل تعمم على جميع الموجودات من حيث هي كذلك، وبهذا المعنى فإن علم الوجود معادل للميتافيزيقا أو ما بعد الطبيعة . فهو نسق من التعريفات الكلية التأملية في نظرية الوجود عامة. وكان أرسطو في القرن الرابع ق.م، أول من أدخل مفهوماً عن مثل هذه النظرية التي عنى بها العلم حول أعم قوانين الوجود «علم الوجود بما هو موجود».يعود مصطلح الأنطولوجية إلى أصل يوناني من وتعني الوجود، و أي العلم. وقد ورد هذا المصطلح أول مرة سنة 1613، في القاموس الذي ألفه رودولف غوكلينيوس . وأول من استخدم هذا المصطلح عنواناً لكتاب هو كريستيان فون وولف 1754، في القرن الثامن عشر [الأقل]

تحميل كتاب الوجود والماهية والجوهر pdf مجاناً تأليف بول ريكور | مكتبة بوكس ستريم

كيفية كتابة تدوينة ممتازة ؟ خمس نصائح من علم النفس


عندما يتعلق الأمر بكتابة تدوينة باستعمال مهاراتك وأفكارك الخاصة، سيتطلب الأمر جهدا وعملا كبيرا، خصوصا ما إذا كنت قد اعتدت النسخ واللصق، في هذه التدوينة سأعطيك خمسة نصائح مستوحاة من علم النفس لكتابة التدوينات الخاصة بك.
بداية، إعلم عزيزي القارئ أن كتابة تدوينة هي عملية تفكير كلية، تحتاج منك إلى الإبداع وسرعة البديهة في حل الأمور المستعصية، وهو ليس بالأمر السهل كما يعتقد البعض، فستحتاج إلى استرجاع المعلومات السابقة وتطويرها ولما لا إجراء أبحاث عن الموضوع الذي تستهدفه في تدوينتك. ولا تستهن بالتدوينات الخاصة بمجال الألعاب أو الترفيه، فحتى لو اختلفت المجالات التي ندون فيها إلا أن الصعوبة تضل نفسها.
في هذه التدوينة سأحاول تقديم خمس نصائح جاء بها علم النفس لزيادة مستوى إبداعك في كتابة تدويناتك الخاصة:

1- الهدوء في مكان التدوين:

  تختلف مستويات الصوت (الضجيج) المساعدة على الإبداع من شخص لآخر، لكن الدراسات النفسية أثبتت أن العملية الإبداعية للشخص تحتاج القدر المناسب من الصوت المحيط به، ونقصد بالصوت، الموسيقى التي يفضل الشخص الإستماع لها في وقت العمل أو أي صوت يحيط به في فضاء عمله. ولنتحدث قليلا بلغة الأرقام، إذا تجاوز مستوى الصوت 85 ديسيبل - وهو ما يعادل صوت شاحنة ضخمة تمر أمامك - سيصبح دماغك جد مشوش وبالتالي الأفكار الإبداعية لن تتدفق إليه. أما إذا كان مكان عملك جد هادئ، فهنا ستواجه مشكلة أخرى، وهي التشويش والإلهاء الناتجان عن الأفكار المتعلقة بعلاقاتك الاجتماعية أو المشاكل اليومية التي تواجهها. إذا فمستوى الضجيج المثالي للعملية الإبداعية هو ما يقارب 70 ديسبيل، وقد يكون هذا صوت غسالة الملابس إذا كانت تبعد عنك بضعة أمتار، أو صوت الحمام من الغرفة المجاورة...
شخصيا، في هذه الأثناء وانا أكتب هذه التدوينة، أجلس في غرفتي الهادئة وأنا أستمع إلى ضجيج الأطفال في الحي، وهذا ما يشكل بالنسبة لي خلفية صوتية ممتازة تساعدني على التركيز بشكلي كلي في موضوعي، وهذه ما تسمى بالضوضاء البيضاء، ومن أمثلتها هناك حركة السير خارج المنزل، أو صوت الطائر على النافذة، أو صوت المطر في فصل الشتاء، أو صوت الأطفال في الحي ( مادام هؤلاء الأطفال ليسوا أولادك أو في طريقهم إلى إزعاجك).
إذا لم تتوفر لك أي من أمثلة الضوضاء البيضاء التي ذكرتها، يمكنك استعمال تطبيقات توفر لك مثل تلك الأصوات ونذكر منها تطبيق Rainymood.

2- أوجد التوقيت المناسب:

 كل واحد منا يحتوي عقله الباطني على جدول زمني يتم إنشاءه انطلاقا من النشاطات اليومية للشخص، ويسمى هذا الجدول الزمني بلغة العلم "إيقاع الساعة البيولوجية". هذه الإيقاعات التي منحها الله سبحانه لنا تستجيب تلقائيا للضوء او الظلام في بيئتنا اليومية، فالبعض منا يصل دماغه إلى أقصى درجات التركيز والتجاوب في الصباح، أما البعض الآخر فلا يحصل له هذا إلا في المساء، لكن هناك بحوث علمية أكدت أن الصباح الباكر هو أفضل وقت للإبداع لأي شخص كان بغض النظر عن ما إذا كان يحب التغريد مع طيور الصباح أو الاستجمام مع بومة الليل.

3- إندمج في جو التدوين:

دعونا نرجع إلى الوراء قليلا، حيث يقال أن Victor Hugo كان يقوم بنزع ثيابه ويأمر خادمه بإخفائها من أجل تجنب المماطلة والإندماج في كتابة نصوصه. وفي الحقيقة لا أعلم إن كانت هذه الطريقة ستعمل معك، لأنها تتوقف على ما إن كان لديك خادم أم لا، لكن طبعا ستكون لديك حيل أخرى تساعدك على الإندماج. ولابد أنك تتساءل ما فائدة هذه الحيل، ولما يجب عليك أن تعتاد على وضعية معينة عند التدوين ؟ إعلم يا صديقي أن أهمية هذه العادات تكمن في أنها تقوم بإرسال إشارات مباشرة إلى الدماغ تخبره بأن النشاط التالي يحتاج إلى قوى عقلية وأفكار عدة، فيستجيب الدماغ مباشرة فتندمج في الكتابة دون أي تشتت للتركيز، وهذا سيفيدك بكل تأكيد في دراستك أيضا، فحاول ان تتخذ وضعية معينة ومكانا معينا عندما تبدأ المذاكرة، وداوم على هذا المكان والوضعية، ستجد أن يوما بعد يوم بدأت تندمج بسهولة في المذاكرة دون أن يضيع تركيزك.
لكي تدوام على القيام بأي شيء في هذه الحياة (ليس التدوين فقط) يجب عليك أن تخلق عاداتك التي تسمح لك بالإندماج في كتاباتك، ولخلق هذه العادات يجب عليك أن تختارها وتداوم عليها دون ملل، ستلاحظ بعد مدة أنك تندمج بسهولة عند قيامك بهذه العادة.

4- عدو النجاح واحد، الإلهاء !

 أي مماطل محترف، يمكنه أن يخبرك أن الإلهاء هو عدو الإنتاج والنجاح، ودعونا نعطي مثالا لا يوجد من لم يعاني منه، عندما يجلس الشخص أمام لوحة المفاتيح لكتابة تدوينة معينة، يجد المهام التافهة تحوم حول رأسه، فتجده تارة يقرأ رسائل سبام، وتارة أخرى يرتب سطح المكتب.
ولا شك أنك تعلم أن التركيز والإنتباه هما من أهم الركائز لكتابة تدوينة متميزة، ومن أنجع الطرق للحفاظ على التركيز في وقت العمل، إبعاد كل وسائل الإلهاء من مكان العمل، فمثلا قم بوضع هاتفك في غرفة أخرى بدل الغرفة التي تعمل فيها، أما إذا كنت تضيع بين صفحات الويب التافهة في وقت عملك (مثلي أنا)، فأنصحك باستعمال تطبيق Stayfocused، حيث يقوم هذا التطبيق بإغلاق المواقع التي تلهيك وتضيع وقتك لمدة أنت تحددها، وهناك أيضا الكثير من الميزات في هذا التطبيق أتركك لتكتشفها بنفسك.
طريقة مفيدة:  إعلم أن ذهن الإنسان سيحاول دائما التجوال في المخيلة الواسعة والأفكار المتنوعة، فهذه طبيعة العقل البشري، التفكير المستمر في مسائل الحياة، لذا عندما تحس أنك تتوه في أفكارك لا تلم عقلك، فقط قل في نفسك "عقلي يقوم بوظيفته الطبيعية" ومع المدة ستلاحظ نمو تركيزك والقدرة على التركيز في الأشياء لمدة أطول، لأنك إذا ألقيت باللوم على عقلك فستجد لك عذرا دائما لعدم التركيز في الأشياء المستعصية والتي تتطلب إنتباها وتركيزا قويا.

5- تعرف على مفهوم The Flow:

في ختام هذه التدوينة أحببت أن أنقلك إلى دائرة علم النفس لأعرفك قليلا على ظاهرة Flow والتي بالتأكيد عشتها يوما ما، وهي عبارة عن حالة من الوعي الكامل، تخول لك القيام بعمل ما وإنهاءه مع الإحساس بالفخر والسعادة المثاليين. في هذه الحالة لا يوجد تفكير أو تشتت للإنتباه، فقط إنتاج وإبداع، حتى أنك لا تحس بالوقت نهائيا، بل والعمل الذي قمت به لا يضاهى جودة وإبداعا.
يكمن جمال هذه الظاهرة في كونها تفقدك الإحساس بمحيطك، وحتى الملل لا يعرف طريقا إليك، بل وتفقد القلق المستمر عما إذا كانت التدوينة التي كتبتها جيدة أم لا. وعلميا، ترتبط هذه الظاهرة بتدفق هرمونات السعادة في جسم الانسان بالإضافة إلى نشاط الخلايا الدماغية، الشيء الذي يجعلك مبدعا أكثر وراضيا عن عملك في نفس الوقت.
كيفية الوصول إلى هذه الحالة: أهم شرط للوصول إلى الحالة هو أن تكون أولا: ممتلكا لمهارات التدوين، أو بالأحرى متمكنا من اللغة التي تدون بها، وثانيا: أن تكون محبا للتحدي ولا تستسلم بسهولة. فالشخص المحب للتحدي تزيد لديه إمكانية الوصول إلى هذه الحالة أكثر من الشخص المستسلم الذي يشعر بالملل بسهولة فيسقط في فخ الإلهاء. أما إذا كنت شخصا غير ممتلكا للمهارات اللازمة، فالقلق المستمر حول ما إذا كانت تدوينتك جيدة ام لا سيحبطك وسيطفئ شرارة الحامس لديك، فينقص من إبدعك وإنتاجيتك. غير هذا، فالتدريب المستمر على التركيز وتجنب الإلهاء في وقت التدوين  سيساعدك دون أدنى شك في الوصول إلى هذه الحالة.

وختاما، تذكر أن تبرع فيما تحب، فالعمل الجيد ينتج عن الاهتمام وحب المجال الذي تعمل به، إن أحببت ما تعمل فبكل تأكيد ستبدع فيه.